منتدى الشجرة والحماداب
منتدى مدينة الشجرة والحماداب
منتدى الشجرة والحماداب
منتدى مدينة الشجرة والحماداب
منتدى الشجرة والحماداب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصه السر والعوض

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ameen altaher derar
شجرابي
شجرابي



الجنس : ذكر الاسم كامل : امين الطاهر درار

قصه السر والعوض Empty
مُساهمةموضوع: قصه السر والعوض   قصه السر والعوض I_icon_minitimeالجمعة 27 يوليو 2012, 9:36 am

رواية سودانية تتكون من52 فصل وهذا هو الفصل الاول منها راجيا ان ينال اعجابكم:


رواية سودانية معاصرة


العَوَضْ و السِّر


أبوخويلد جعفر...... مايو 2010



1ـ سوق الجمعة
لقد جربت ذلك بنفسي وفهمته جيّداً بواقع التكرار-الذي يعلم الشُّطّار- فعرفت تماماً وبما لا يدع لدي شبهة تحرك شكوكي حول هذا الإنطباع الواقعي , والمدعم بالتجارب والشواهد الحقيقية الضاربة في عمق الحياة الشائكة, وفي مجرى قلبها النابض والمتدفق بالغرائب والمحن .. أن هذا المخلوق الذي يسمى الـ (بَنِ آدم) من الصعب أن تسترضيه أو تستميله لصالح نفسك, ومن الأصعب وبل والمستحيل أن تتقي شره أو تعيش معه في سلام حقيقي تأمن فيه كيده ومكره. هذا ما تحقق لي فهمه من الواقع مما جرى لي من مقالب ومطبّات خلال حركاتي وأسفاري في دروب هذه الحياة بخيرها وشرها وأنا من الذين يؤمنون بأن الحياة -بكل وجوهها التي تبديها لك- يوجد فيها الخير ويوجد فيها الشر. لكن إذا واجهتني بالسؤال أين سكة الخير لأسلكها؟ أو كيف أجوز هذا الشر الذي إعترضني؟ بكل تأكيد سوف لن تجد عندي جواباً شافياً ولا نصيحة كافية والسبب بحسب ما أرى هو وببساطة: لأنك لستَ أنا!.. وأنا ليس أنت...! ، إذا كانت عباراتي الأخيرة هذه غير مفهومة, فليس بمقدوري أن أشرحها أو ألفق حولها كلامًا - في سبيل أن يتضح لك المعنى- ربما يكون من شأنه أن يذهب بالذي أقصده من وراء تلك الجمل البسيطة , ورغم ذلك فلن أبخل على القارئ الوقور بشيء من الإشارة أو الدلالة لأقول له أنني ربما أدور فقط حول مثل سوداني, لن أقول فقط أنه أصيل.. بل أيضاً مثل نبيل وعميق ألا وهو ذلك المثل الذي يقول بلغتنا الدارجة الفصيحة "الطبيعة جبل" و(من خلَّ عادتُّو قلّت سعادْتُّو) ويوافقه مثل آخر لا يقل عنه أصالة وعمقاً: وأنا سمعته أو علمته من أمثال العرب – باللغة الأم – هذا المثل يقول "الطبع لص" حاولت جهدي أن أجد لهذا المثل الفصيح موضع في سلوك نفسي وتصرفاتها, أستطيع به الحكم بإنطباق هذا المثل عليها وبالتالي جريان أحكامه على جوهر سلوكها وإتجاه ميولها. وحتى أكون معك واضحاً وصريحاً أخي القارئ : فَشِلت..! لم ينطبق هذا المثل العربي القديم الفصيح على نفسي, ولأكون أكثر وضوحاً: لم أجده ينطبق على نفسي لا من قريب ولا من بعيد..! وبالطبع معناه واضح لا يخفى عليك وربما تجده ينطبق على نفسك تماماً أيها الصديق ,لا سيما وأنه يقابل المثل الذي يتداوله العامة كثيراًSad من عاشر قوماً أربعين يوماً صار مثلهم) وأنا أعرف أن هنالك من الناس -من البشر الناطقين وليس من الحيوانات البكم- من عاشر أناساً وعاش معهم بالسنين الطوال دون أن يغيِّر ذلك من طبعه شيئاً, أو يؤثر ولو قليلاً في سلوكه وأخلاقه. هذا بالفعل أمر واقع ومن المشاهد كثيراً, فقد تجد إنساناً لئيماً .. إضطرته الحياة سواء لظروف عمل أو لمصلحة ما ليعيش وسط أناس طيبين فضلاء , أو بخيلاً أجبرته الأيام أن يساكن أقواماً كرماء أسخياء, ولكي يعيش كل من هذا اللئيم وذلك البخيل في سلم مع هؤلاء القوم الذين يخالفونهم في الصفات والطباع, تجد كل منهما يحاول التشبه بسلوكهم حتى لا يبدون شاذين ومخالفين لهؤلاء الناس الذين إضطروا للعيش معهم, وحتى لا يصيروا بمرور الأيام – إذا استمروا بذلك الطبع المخالف والمُشاتِر – منبوذين وغير مرغوب فيهم, لهذا ترى اللئيم يتظاهر بالطيبة والرفق, والبخيل يتظاهر بالكرم والسخاء,وتراهم مستمرين كذلك على تلك الحال حتى إذا شاءت الظروف: وعاد كلٌ إلى موطنه الذي نشأ فيه وعُرف فيه بتلك الصفة والعادة, رجع اللئيم إلى سيرته الأولى لئيماً يتظاهر باللؤم, وعاد البخيل بخيلاً يأبى أن يخفي بخله وشحه, وكما يقولون (حليمة رجعت لي قديما) وما انطبع على الإنسان منذ الصغر يصعب عليه التخلص منه في الكبر ومن شبّ على شيءٍ شاب عليه, وغلب الطبع التطبع!.
لستُ مؤدباً ولا معلِّم أخلاق ولا محلل نفسي إنما قصدت بتلك المقدمة المملة – أرجو أن تعذرني أيها القارئ – أن ألفت إنتباهك إلى النظر دائماً إلى طبع الإنسان قبل الحكم عليه بفساد أو صلاح, إذ يجب ألا يخدعك مظهر الآدمي الجميل وما يتقمصه من ثياب تحجب وراءها جُبْن الغدر وتخفي خلفها شؤم الخيانة, تماماً كما يشير المثل (وراء السواهي دواهي) فإذا بدر لك من إنسان أمر قبيح ومشين فلا تستغرب..! فقد يكون هذا من طبعه وعادته, فهو مغلوب بطبعه على فعل القبيح , فلا يستطيع التستر بأي لباس – ولو كان زائفاً – للخير لأنه أصبح ضعيفاً أمام سطوة ما نشأ عليه من طباع شريرة , وأما إذا بدرت لك أفعال جميلة وأقوال رقيقة: فلا تأمن.. لأنها ربما جاءت وراء أقنعة الغش وحُجب الخداع.. وفي كل الأحوال -أيها القارئ النجيب- لا أمان ما دام بإمكان الإنسان أن يتلبس ويتقنع بثياب تتلون بسائر الألوان, وتتشكل بكافة الأشكال حتى يتسنى له خداع الغير بإخفاء طباعه القبيحة التي لا يقبلها الناس! لأن الطباع والخصال الجميلة يقبلها الناس بل ويحبونها, لذلك دائماً لا يتكلف صاحب الصفات الفاضلة مشقة إخفاءها ولا يبادر بتعريف الناس بها لأجل الافتخار وإظهار الأفضلية والتصدر, والجميل هو جميل لا يحتاج إلى تكلف لإبداء هذه الميزة!.. فصاحب الصفات الحسنة و(الطَبْع السَمِح) دائماً ما يذكرني بمثل تردده كثيرا "حبوبتي" -عليها رحمة الله- وهو يقول: ( السَمِحْ.. سَمِحْ ..! كان زَرَعوهُو عيش يِطْلَع قَمِحْ..!).
دعني أقتصر على ذلك حتى لا أطيل الإسترسال في هذه المقدمة, والتي أعلم أن الكثيرين لا يريدونها, لرتابتها ولأنها تتكلم بلسان الناصح الذي يدعي أو يتوهم أنه خبر أسرار الحياة ومقالبها, وبالطبع من زعم أنه قد فهم الحياة بحيث يصبح بإمكانه التعايش مع كافة مشاكلها دون معاناة ، أو التحرز من بعض مفاجأتها دون التعرض لنكبات ومتاعب فقد كذب وجاهر بالكذب!.. والحياة نفسها تشهد...!!
كيف أبدأ هذه الحكوة القصيرة وكيف سأسطرها لك.. هذا ما أرى نفسي عاجزاً عن فعله أيها القارئ الكريم لكن على كل حال دعني أبدأ دون إكتراث ودون تحفظ!.
كان ذلك في نهايات الثمانينات وبداية التسعينات, وهذا التاريخ يبدو للبعض قريب جداً.. لكن بكل تأكيد هنالك -من الأفراخ الصغيرة التي لم ينبت ريشها بعد- من يضمه مع العصر الحجري. الأجيال صارت تتسابق ويلحق بعضها بعضاً بسرعة جنونية. وما تراه اليوم حديثاً وجديداً يصير غداً قديماً وغير مرغوب فيه!.
هدا طرفي منو!.
ضحك السر من كلامي وتعجب من إنفعالي بما يجري هناك من أمور قد اعتاد هو عليها, وأنا لأول مرة في تاريخ حياتي أشهدها واقف أمامها!.
- يا العوض اخوي صلي على الرسول...! أسمعني جوازك وجوازي ديل انا بعرف اطلعن كيف.. قسم لا بوقفك صف ولا بدخلك مكتب بس انت أصبر لي! لوك الصبر ياااا ود العم....!.
أثناء وقوفنا الإثنين وأنا تغمرني الحيرة واليأس, كنت أفكر في كيف سيأتي دورنا مع هذه الجموع الغفيرة لنستخرج جوازينا, وأما السر فكان يتمطى وأحياناً يقف على أمشاطه, وتارة يمد عنقه وهو يحاول أن يميز شخصاً ما داخل المكتب عبر الشباك الذي يجلس قبالته الموظف الذي كان يستلم أوراق ومستلزمات إستخراج الجواز من الذين يصطفون أمامه واحداً واحداً. وبينما كنا نقف كذلك بجانب أحد الصفوف بالقرب قليلاً من شباك الإستلام إذا بالعسكري يصيح بنا:
- هوي انتو أقيف بييد.. يا أمش أقيف آكر سف هناك... ولا أتْلا برة ما تكَرِّب لينا نزام!.... شوف ناس أجيب ديل....؟!.
إقترب منه السر وجعل يهمس في أذنه بكلام لم أسمعه ودس في يده شيء ما لم أتبينه جيداً -أظنه شئ من المال – يبدو لي أنه مبلغ صغير! لعلمي بشحه وحرصه الشديد على المال, وهو لا يكاد يعطيك شيء إلا ويأخذ أضعافه, لذلك تراه لا يقبل ولا يرضى أن يوقفه شيء في سبيل ما نواه من أهداف, فقد يجازف بماله ويخاطر بنفسه, لأنه يعرف جيداً كيف سيستعيد ماله وكيف سيخلص نفسه إذا وقع في مأزق أو ورطة!. أدهشني أمر ذلك العسكري الذي كان ينظم الصفوف, والذي يبدو لي من سحنته وملامحه من أبناء قبيلة..... – لا داعي عزيزي القاريء لذكر القبيلة فنحن شعب معقد وحساس جداً خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقبيلة أو السحنة– فبعد ما كان هائجاً ثائراً يلوح نحونا بـ (بسطونته) فإذا به يبرز أسنانه التي صقلها (الصعود) و(المريسة) طلاءً أحمر وآخر أسود, لعلنا نفهم بعد كل ذلك الجهد أنه يبتسم وسيقدم للسر الخدمة التي طلبها طالما ضمن من المال ما يجلب له (عبّاراً) أو (حق الصعود) على أسوأ تقدير!!.
أخرج وريقة من جيبه:
- قلتا لي اسما منو...؟؟
- التوم ود سعيد .... التوم سعيد.
- توم سييد .... كلاس!!.
ذهب مسرعاً نحو الباب الجانبي في الجهة اليمنى للشباك الذي يطل منه موظف الجوازات الأول.. يريد أن ينجز المهمة قبل أن (تجوط) الصفوف وتخرج من سيطرته : بالفعل دقائق معدودة فإذا به يعود في سرعة البرق ومعه شخص قوي البنية أصلع مشلخ, أما شاربه كما يفهم ذلك الوصف أبناء الجزيرة : (مفتاح كبري) ما إن وقع نظره علينا فإذا به يحتضن السر:
- وين يا ود المليح... كيف حالك ؟!وكيف أبوك وكيف أهلك كلهن؟!!.
بعد السلام والسؤال أخذنا إلى أحد المكاتب الطرفية الهادئة وكان بارداً وجيّد التهوية, وأذكر مروحة السقف الضخمة والتي قرصها الذي يقابل الأرض(طارتها) لا أجد إلا أن أشبهها بأحدى (حِلَلْ الملاح) الكبيرة! وجعلت أفكر كيف إذا سقطت هذه المروحة على رأس أحدنا وهي تتحرك بتلك القوة والسرعة مصدرة بذلك أصوات مزعجة ومخيفة (كَرْكَبْ كركب)! وأحياناً (سيك سيك), إذا فطن إليها صناعي حازق بالتأكيد سيحكم بأن هذه المروحة تحتاج إلى تغيير(بلي) ثم إلى تشحيم شامل!.
أصر عمّنا أن يطلب لنا فطوراً, ولكن بعد منازعة وجهد جهيد أقنعناه بأننا تناولنا الفطور وأتبعناه بالشاي والقهوة وغيرهما مما كان يستلزمنا من مكيفات:
- خلاص يا ولد أمشي جيب بيبسي ومعاهو موية باردة!.
- ما كان في داعي يا عمي التوم الحالة واحدة ياخْ...
وأخذ السر يشرح إلى عمنا القصة باختصار ويبين له الغرض الذي جئنا لأجله, وإننا ننوي السفر للخارج وأننا الآن بصدد استخراج جواز أولاً قبل الشروع في مسألة التأشيرة والتذكرة وما يتبع ذلك من الإجراءات والأشياء الأخرى.
ضحك عمنا ضحكة شبعانة...!:
- يا أولادي كدي فكروا بالعقل دايرين تجيبوا شنو من برة..؟ بلدنا دي بي خيرا !... البلد دي واسعة ورزقا كتير بس دايرة الرواقة وطولة البال..!
- يا عمي التوم أمانة عليك دي بلد واسعة؟.. يا خي دي بلد مـ......خلّيها في سِرَّك! و الرزق البتقولو فيها ده هبوب ساي.. يخربا الحباية مافيها!!.
انفجر التوم ضاحكاً بأعلى صوته رامياً رأسه خلفه على حافة الكرسي العليا وهو غارقاً في الضحك:
- غايتو انت يا ولدي السر عليك جنس مسخة بس جبدك خالك الأحيدب!.
لا أكاد تهدأ أعصابي قليلاً ويعتدل مزاجي فيأتي دور السر – العليهو التكل – ليغيظني بعباراته القبيحة, وأوصافه البذيئة التي لا يجدر به أن يتفوه بها أمام شخص محترم مثل حاج التوم, ومكان يجب أن يكون هو الآخر محترم.وكان قد فعل كل ذلك, ليعبر إلى عمنا عن مدى إستيائه وعدم رضاه بما هو عليه من حال سيء وأنه لابد من السعي بأي وسيلة للخروج من هذا الواقع المخجل, الذي فُرِض علي نفسه فرضاً وأجبر عليه اجباراً. ولا حلّ هناك أنفع لهذه الأشكال سوى الهروب من هذا السجن الذي لا يرحم سجانه ولا أمل في أن تفتح مغاليقه!.
أما إذا قلت لك في ماذا كنت أهتم أو أفكر وقتها, لا شك ستظن أنني خارج الشبكة ,كنت أريد من السر أن يحسن ألفاظه القبيحة وأن يتكلم بأدب أو ليتوقف بالمرة عن ذلك الكلام الفارغ البذئ!.
- يا السر هــوي أوزن كلامك ياخي!.. انت أي كلمة تجي في لسانك ترميها طوالي رب كدي!!.. قايل نفسك وين انت ياخي احترم عمي التوم ده!.
- يا ولدي البساط أحمدي انتو الاتنين حرّم ذي أولادي. ولو جينا للجد مرات البلد دي تخليك تتكلم برة من راسك!.
إبتسم السر إبتسامة يشوبها المكر والإحتيال:
- حقيقة العوض كلامو صاح... خلاص يا عمي نخش في المهم عاوزنك تطلع جوازين لينا الاتنين هسع نستلمن عشان نشوف الباقي علينا شنو!.
- هاهاهاااا ! .... هسع ده كمان ياخي الساعة واحدة ضهر جات.. والأيام دي بالذات من تبدا الجواز أحدى ما تستلمو دايرلو عشرة يوم... علا لكن بالواضح كده وانتوا ناس بعدكم ذي اولادي, بقول ليكم صراحة كده الكاش بقلل النقاش... كان جيبكم تقيل: هسع بصوركم بكرة بدري تستلموا وكان الجيب على قدر الحال حرّم علا الصفوف ولا خلو شهر العمرة ده يعدي!
- الواضح ما فاضح ولا شنو يا العوض؟.
في البدء احترت كيف أجيب على سؤال السر المباغت ذاك إلا أنه حينما حضرتني صورة الصفوف وإهانة العسكري بادرت بالإجابة مسرعاً:
- كلام عمنا في محلو ... وأنا مع المثل البقول " هِيْن قِرْشك ولا تْهِين نفْسَك"
ضحكنا جميعاً ـ بما فيهم أناـ لهذا المثل المعبر الذي صدر مني عفوياً دونما أن أتكلف مشقة إستجلابه أو استحضاره من ذاكرتي التي زحمتها أحداث السنين ومرارات المعاناة, فقد كان وقع هذا المثل على كل من السر وحاج التوم تماماً كما يقع حجر كبير من الثلج الأبيض الجامد على (كورية) مليئة بعصير الليمون المركز والمسكَّر في نهار يوم ساخن غائط!!. فالأول يخشى أن أخالفه الرأي, أو أبخل بدفع قيمة ما يزيد عن تكلفة استخراج الجواز الفعلية من الجنيهات, أما عمنا فلم يكن مطمئناً لي مائة بالمائة, لأنه لم يتعامل معي من قبل في مثل هذه الأمور. لكن في النهاية كان ذلك هو العرف السائد لدى جميع أبناء الضواحي والقرى حين يريد أحدهم السفر إلى الخارج, إذ كانوا يقرون بأن للعسكري حق وللموظف حق وللساعي للخير (الواسطة) حق. ولكي تتم إجراءات سفرك دون عراقيل أو مضايقات: فقط عليك أن تعطي كل ذي حق حقه, وإلا فأحتمل ما سوف تلاقيه من مشاكل ومعاكسات!.
إستخرج التوم ود سعيد بعض الورق من الدرج, وبدأ يكتب عليه متطلبات إستخراج الجواز: جنسية – بطاقة شخصية – شهادة ميلاد ... الخ :
- يا جماعة الخير الأوراق دي معاكم ولّى يفتح الله...
- يا عمي التوم حاجات ورق ومستندات دي ما تسعلنا منها طب...! دي كلها مية المية بس شوف لينا الشغلة النجيضة وما ضروري الكُلْفة كَمَّها..!.
- يا زول دخلت في اللحم الحي: أول الشي: في الجواز الواحد الضابط حقو: 2جنيه ونص.. والموظف جنيه.. وأنا حقي خمسين قرش... علا لكن ما بيناتنا!.. والجواز براهو بحتاج لي 19 جنيه ونص, يعني الجوازين مع بعض كمبليت كدي بكلفن 45 جنيه لكن جيبوا الـ 44 لأني أنا ما بشيل منكم حق تعب انتو ما ذي أولادي!!.
لقد نطق برقم خرافي إذا قيس بما أخبئه في جيبي المتواضع الذي لم يكن من قبل يحلم بأن توضع بداخله مبلغ 13 جنيه هي قيمة ما أملك وقتها, أما السر فقد أعلمني مسبقاً بأنه لا يحمل معه أكثر من ثمانية جنيهات, فجملة المال الذي نملكه مجتمعين, لا يكاد يفي بقيمة استخراج جواز واحد فضلاً عن جوازين..!.
ما أدهشني أن السر مع ذلك لم يعترض ولم يبدي أي إستغراب أوإندهاش لذلك المبلغ الهائل من المال ـ خلاص يا الشيخ مصطفي الامين! ـ:
- خلاص يا عمي سعيد جيب الاستمارات والأوراق عشان نملاها سريع عشان نلفى الزمن.
- كده أقيف ياالسر... صراحة يا عمي المبلغ المعانا ما بكفي ولا حاجة.. الحكاية دي كتيرة شديد!! أنا بشوف أحسن نأجل الشغلانة دي لامن ندبر لينا قريشات كويسة...!.
هنا لأول مرة يستثار السر ويتحدث بلهجة غاضبة نحوي:
- هوي يا العوض عاين لي جاي: بدور تطلع لك جواز ولا عاوز تكتر الكلام؟!.
أجبته بلهجة أكثر غضباً ارتفع فيها صوتي.
- أسمع كويس يا السر المسعلة ما كُتُر كلام ...المسألة كلها القروش دي ندفعا من وين؟ قروشنا نحن الاثنين ما بطلعن لهن جواز واحد عاوز تعمل لينا فيها ملي استمارات وكلام في الهوا ساي.؟؟
إستاء صاحبي كثيراً ووضع كفي يديه على جانبي رأسه مترجيّاً:
- العوض .... لا حول ولا قوة إلا بالله!!.. خصمتك بالله.. خصمتك بي الله.. ما تعارض, وما تتكلم لي في القروش دي تاني....! مسألة الدفع أسألني منها أنا!... بس أسمع كلامي ساي... خلينا نملا البيانات والباقي عليّ!!.
كل ذلك النقاش كان يدور بيننا وعم التوم يكتفي فقط بالتبسم, ولم يبادر بالإعتراض على أي منا, ثم أخيراً وفي النهاية وبعد أن هدأت حدة النقاش بادر قائلاً متوجهاً بالكلام إلى كلانا:
- أسمعوني يا العوض ويا السر الثقة بيناتنا موجودة دبروا لي 30 جنيه عشان المبلغ ده بمشي الخزينة العامة, الباقي دبروا فيما بعد لكن لازم تعرفوا ما بسلموكم الجوازات إلا بعد ما يتسدد المبلغ بالكامل!.
- يا عمي التوم برضو دار تبقي لي ذي العوض؟ دار تتكلم في القروش.. أنا بكرة القريبة دي المبلغ بسلمك ليهو كامل 45 جنيه شامل حقك انت ذاتو.. بس نحن همنا السرعة ماديرنك تأخرنا!! .
- ها ها عفيت منك والله انت بتعملا... أنا ما خابرك من خيلانك المجرمين ديلك ها ها ...!
إزدادت حيرتي وبدأت أشك في الذي ينوي فعله كل من السر وعم التوم. لأن هذا الذي سيجري سوف يتم ربما على نحو غير مستقيم, وربما يجر بنا إلى ما لا تحمد عقباه, على الأقل ربما خسرنا نقودنا دون أن نحصل على جواز بالمرة, لأن الطريقة ملتوية!.. يا ليتها كانت ملتوية ووقف الأمر على ذلك, لكنها ربما ملتوية وأكثر كُلْفة مما لو اتبعنا الإجراءات الرسميةو(الدقرية) لاستخراج الجوازات بحسب ما بدا لي!.
رغم كل تلك الهواجس والظنون, وجدت نفسي ممسكاً بقلمي أملأ في بيانات الإستمارات التي أتى بها عمنا: إبتداءً من الإسم رباعياً إلى التوقيع والبصمة والتاريخ!. أما السر فكان يملأ في إستماراته بسرعة بالقلم الذي استلفه من عم التوم... دقائق معدودة فإذا ببيانات كل الإستمارات التي تخصنا مكتملة!.. راجعها العم ثم أخذ من كل منا الوثائق الرسمية : جنسية – بطاقة – شهادة ميلاد وصورة فوتغرافية وأوراق أخرى لا أذكرها على أن نستعيدها عند موعد إستلام الجواز.
- الشغل احدى الآن مظبوط. أقول ليكم كلام الرجال لو دفعتوا هسع تستلموا بكرة ولو دفعتو بكرة تستلموا بعد بكرة...!!
- شنو يا عم التوم.. دايرين نستلم بكرة... والقروش بنسلمك ليها بكرة... ياخي بتعاملنا ذي باقي الناس؟؟!.
- يا ولادي أحسن أكون معاكم واضح ..لو دفعتوا بكرة الصباح بدري تستلموا نهاية الدوام.. أو بعد بكرة الصباح بدري...!.
- خلاص ما فرقت يا عمي.. لكن انا دايرك تجتهد تسلمنا بكرة!.
- خير يا ولدي ربنا يسهل!.
الساعة تجاوزت الثانية ظهراً ببضع دقائق علينا أن نخرج على أن نعود غداً كي ندفع - ولم أكن أدري حقيقة من أين – لنستلم في نهاية اليوم أو في صبيحة اليوم الذي يليه.
- أها يا عم التوم فتناك بخير وكتر خيرك نتقابل بكرة إنشاء الله..!.
- ما في عوجة يا أولادي... نتلاقى باكر كان الله حيانا!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام وئام
شجرابي مميز
شجرابي مميز
ام وئام


الجنس : انثى الاسم كامل : اماني سعيد وداعة الله

الاوسمة
 :


قصه السر والعوض Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصه السر والعوض   قصه السر والعوض I_icon_minitimeالجمعة 27 يوليو 2012, 1:39 pm

cheers cheers cheers
سعيدة جدا اخي امين بنقلك للقصة في المنتدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ameen altaher derar
شجرابي
شجرابي



الجنس : ذكر الاسم كامل : امين الطاهر درار

قصه السر والعوض Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصه السر والعوض   قصه السر والعوض I_icon_minitimeالسبت 28 يوليو 2012, 9:20 am

تسلمي انتي علي التنبيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصه السر والعوض
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصه السر والعوض 5
» قصه السر والعوض 4
» روايه السر والعوض
» حين افشي السر !
» السر بشهر العسل للسعادة الزوجية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشجرة والحماداب :: شجرة القصص والنكات والفرفشة-
انتقل الى: