منتدى الشجرة والحماداب
منتدى مدينة الشجرة والحماداب
منتدى الشجرة والحماداب
منتدى مدينة الشجرة والحماداب
منتدى الشجرة والحماداب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد الوهاب احمد
الرئيس الفخري
الرئيس الفخري
عبد الوهاب احمد


الجنس : ذكر الاسم كامل : عبد الوهاب احمد عبده سليمان

استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   Empty
مُساهمةموضوع: استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي    استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   I_icon_minitimeالخميس 14 يونيو 2012, 5:41 pm

نوارة الشجرة بين الخيال والواقع
للكاتب/ الواثق عبد الباسط

استغليت عربة أجرة من مطار الخرطوم الى الشجرة ، فلم يكن أحد في انتظاري وكنت أريد أن أفاجيء الأهل بعودتي بعد هذه السنين الطوال في الغربة. رحب بي سائق التاكسي الذي كان يبدو من أبناء الغرب وتحدث معي عن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة. سألني :- "بالله لما طلعت من السودان رطل السكر كان بكم". أجبته متهرباً " فرق كبير والله. "، لم يتوقف "طيب جالون البنزين ". و أيضاً تهربت "يا زول خليها على الله". فهو لم يكن يدري أن السنين قد كثرت وطالت. لم تتغير الخرطوم كثيراً ولاحظت زحمة شديدة في الطرق. عند وصولنا الى الشجرة كان واضحاً أن آلة الزمن قد أخذت نصيبها من الديار فبدت قديمة وصامدة. كان وقع المفاجأة عظيماً علي الوالدة والاسرة، في المساء أصبح الجيران و الأهل يتوافدون لسلامي، كبر من كبر منهم وشاب الكثير منهم، وفشلت أن أتعرف علي من تركتهم صغارى. وكانت أمي تطلب من أرفع الفاتحة مع الكثير منهم لأعزي في وفيات قديمة بسنين غربتي، وحديثة أحياناً . في الليل لم استطع النوم بسبب رقاد الحوش كان تغيراً لي بعد أن تعودت علي النوم داخل الغرف. لكني كنت في غاية الاستمتاع بهذا الوضع الذي كنت اشتاق اليه. النجوم واصوات العربات في الشارع واحياناً اصوات كلاب الحلة. وكم كان بي شوق لسماع أصوات جوامع الشجرة ترفع آذان الصبح، وخاصةً آذان جامع الحماداب، فحين بدأ شيخ برعي يؤذن وددت أن لا ينتهي من آذانه فصوته مميز وشجي لا مثيل له وتدمع العين أحيانا لصوته وكلما قرأت كتاباً أو حديثاً عن كيف كان يوءذن سيدنا بلال رضي الله عنه يأتيني صوت شيخ برعي . وجاء الصباح المميز في الشجرة، صفارة الري دوت وعم صوتها كل ارجاء المدينة، عساكر المدرعات يرددون الجلالة العسكرية:- (يا زول يا زول أنت وين ماشي...أنا ماشي الجيش أبقا جياشي ... ) رجل ردد "المعا قزايز .. جركنات صفايح .." وآخر من علي البعد "صلح سراير الحديد".. أصوات كثيرة كنت اسمعها كشريط موسيقي يردد لي أغنية محفوظة المقاطع. شربت شاي الصباح داخل المطبخ مع الوالدة وانا في سعادة لا توصف بالنظر اليها وتحدثنا كثيراً ثم خرجت هي إلى السوق وانا بعدها. في السوق اشتريت جريدة الأيام والصحافة ومجلة ألاذاعة والتلفزيون والمسرح ثم توجهت إلى مطعم شربكوت الذي كان علي حاله لكن شربكوت نفسه تغير وبدأ الشنب رمادياً وبعض التجاعيد اعتلت جبينه، لكن روحه المرحة لم تغير. اخترت تربيزة خارج المطعم تحت الشجرة حيث يكون السوق دائرة حولي. ضج المطعم باصوات الزبائن، فهناك من يحاجج شربكوت أن يزود الزيت علي الفول ويرد شربكوت :- يا مايل أنت عاوز تتمسحبو ".. واخر يطلب زيادة كمونية.. يضحك الناس من وقت لاخر مع تعاليقه. مجموعة يتحدثون في الكورة ومجموعة أخري تتحدث في السياسة. فجأة عم سكون وجيز في المطعم التفتت الأنظار إلى أمرأة قادمة من اتجاه البوسطة أمام دكان قبيل. كانت المشية والقوام في قمة الجمال. مازحت وضاحكت كثيرٌ من من قابلت ومن من خرج ليحيي، بدت لي كأنها نجمةٌ معروفة في هذه المنطقة. وقفت أمام المطعم، نظرت إلي ودققت، دون أن أشعر خلعت طاقيتي وهذيت بانحناءا رأسي محيياً، ردت بابتسامة مع هزة رأس بالمثل وضحكت واخفت الكثير من ضحكها بعد أن استدارت بجسدها لاكون خلفها ، وكان منظراً آخر. لم أكن أدري ماذا فعلت لاثير كل ذلك الضحك، فقد لاحظت في شيء غير مألوف لم أفهمه إلا بعد وجدت طاقيتي السودانية في يدي لاحقاً. جاءها شربكوت يحمل صحن طعام لها ويقول لها أهلاً نوارة الشجرة وست البنات، وطلب من أحد عماله أن يوصل معها صحن طعام آخر وقال لها.. "يا السمحة ما تنسوا ترسل الصحان لما تخلصو" ردت "حاضر يا عم عثمان" لاحظت أنها تنطق الثا صحيحاً باستخراج اللسان عندما قالت عثمان، قلت لنفسي يبدو أنها مميزة في كل شيء.. وغادرت في إتجاه البوسطة وكنت أراهن نفسي علي أنها ستلتفت بنظرة قبل أن تصل مزيرة دكان قبيل، فاذا فعلت فللحديث بقية وان لم تلتفت فذاك كان لقاءاً كالبرق يخطف الأبصار. فعندما دنت من المزيرة بدأت أعد في دواخلي عداً تنازلي تلاتة اتنين واحد صفر..يا لفراستي! قطعاً سيكون للحديث بقية . بعد أيام ذهبت ابحث عن الأصدقاء وجدت بعضهم غادر الى الخليج واوروبا ومن بقي منهم أنشده بمشاغل الحياة. الوحيد الذي لم يتغير كان عثمان "كمان" جاءني و لا زال في رومانسيته يعشق النساء ويهوى الغناء، و يحدثك عن أجمل جميلات الشجرة هذه الأيام وما كتب فيها من أشعار، والالقاب التي يطلقها عليها من "ذات القوام" و"لوليتا" و "خضاري" و "الحالم"، ويغني لها جميل الأغاني ويبدع في ذلك ثم يقول جملته المعهودة عقب كل أغنية "يعني مستحيل الأغنية دي تكون لاي زول في الدنيا غير نجوى" ثم تظهر سلوى التي تفوق نجوى جمالاً وتبدأ معضلته في القلب بين امرأتين. لقد كان عثمان عازفاً متمكناً للعود والكمان لذلك كان يطلق عليه لقب كمان، وإذا حدثك عن أمرأة فأعلم علي يقين أنها ستكون في منتهي الجمال. إلا ما يوءخذ عليه أنه يكثر الحديث عن من يحب ويفضح، فكان البنات يخشين الأرتباط به. أخذ هداياه المفضلة دائماً فتيل ريحة فرنسي وباكو سجاير "بنسون اند هدجز" و طقم أقلام "باركر" وولاعة سجاير "رنسون"، تحدثنا كثيراً عن ذكريات قديمة وسألته عن الصحاب الذين لم التقي بهم،أبو الليل، وشرفي، وعثمان حريق، والطاهر زومبا، وصلاح ود الدايه، ومحمد جني، و صلاح قناوي. علمت أنهم لازالو في سمرهم في الجزيرة وصيد السمك وليالي الأنس الطوال، قلت له اني مشتاق للجزيرة و غروب الشمس في البحر. وفعلاً ذهبنا للبحر الذي أيضاً تغير كثيراً. قلت الأشجار بقرابة النصف و الرمال لم تكن كما كانت في تلك الأيام فقد فقدت لونها الذهبي. استغلينا مركب أبو الليل إلى الجزيرة، مجرد أن رست بنا المركب هاجت الذكريات في دواخلي كيف كانت طفولتنا وصبانا في هذا المكان كيف كن نسبح ونقفز من الحديدة. تحدثنا كثيراً عن الأصدقاء و الأحبة والرحلات في هذا المكان وايام شم النسيم والكريسماس، وتذكرنا سخانة رمضان والنوم بالهدوم المبلولة ، وكيف كان أبو الليل يملاء جركانة من موية البحر ويقول ليك "حكمة الله مافي حاجة بتروني في رمضان إلا موية البحر"، تجولت في الجزيرة كلها وتفقدت شجر اللالوب والنبق، وتنفست هذا الهواء الطلق الذي أعاد الروح إلى الأعماق. بعدها شرعنا في العودة قال لي عثمان سنذهب لناس نعرفك بيهم أسرة بسيطة دايماً بنقعد معاهم ناس حلوين، تعذرت له لاني كنت متعب قليلا و فرق الوقت بين أمريكا والسودان لا زال موثر في ،اصر اصرار شديد وقال لي أنهم متوقعين حضوري وغالباً ما يكون جهزو العشاء، فسيكون موقف محرج إذا لم اذهب . وافقته الذهاب بشرط أن لا نتأخر. تحركنا وتوقف عثمان في أحد البيوت المطرفة ليدعم نفسه بزاده الليلي، وقال ده بيت حواء طرف أقوي عرقي في الشجرة دخل وخرج يحمل تمويله علي عجل وخبأ قزازتة داخل كم الجلابية ثم ذهبنا الى منزله أولاً و أخذ العود والكمان وتوجهنا الى هذا البيت الوحيد في عوالي الري المصري.
عند اقترابنا من هذا البيت اعجني كثيراً موقعه علي هذا التل، والحديقة الصغيرة التي تحفه من جانبه الأيمن تجعله أشبه ببيوت القري. فأصحاب الدار كانوا أيضاً يعيشون حياة أهل القري فافترشوا سرايرهم أمامه. خبأ عثمان شربه في احدي الأشجار المجاورة للبيت حيث أخبرني أن ست الدار ترفض أي شرب في دارها. استقبلنا علي الدرويش الذي كان مستلغياً علي احد السراير ويستمع إلى الراديو الذي معروف عنه أنه يحمله دائماً. وسأله عثمان ممازحاً كما يفعل كثير من ناس الشجرة :- "يا علي الأذاعة ما جابت أغنية للشفيع الليلة" رد بكل جدية " الصباح جابو أغنية (الحالم سبانا) في فاصل من الأغاني ومتوقعين (القطار المرة) بعد الساعة عشرة بليل". فالرجل حياته حول الراديو واغاني الشفيع والذهاب يوم الخميس إلى سينما الوطنية غرب لمشاهدة فيلم (كابوي). جلست ودخل عثمان البيت ليسلم ويخبرهم بوصولنا. كانت مفاجأة عظيمة بالنسبة لي عندما وجدت أن "نوارة الشجرة " من من سكن الدار. سلمت علي ومعها امرأه حسبت أنها أمها في باديء الأمر ، لاحقاً تبين لي أنها جدتها من أبيها. علمت أن اسمها نورا والكل يناديها نوار، واسم جدتها فاطمة الهبانية . كان لقاءنا الأول في السوق كافي لادراك الخطوط العريضة ، الآن بدت لي هذه الفتاة آية من الجمال. دون شك لها مواصفات فريدة وغير مألوفة في هذه البلاد.لونها قمحي و لون عيونها بين العسلي والاخضر. الشعر في لونه أقرب للبني من الأسود. طويلة إلى حدٍ ما وممرحلة البدن، تتحدث متبسمة بالرغم من أن العينين تخفي شيءٌ من الحزن، عندما تضحك تبدو بريئة وتزداد جمالاً. صوتها متوسط العمق مع بطء قليل في السرعة يجعله يميل للدلال أكثر من التكلف ، ونطقها للسين و الثا باستخراج اللسان قليلاً.سألوني كثيراً عن أمريكا و الحياة فيها و الجرائم المسلحة وسألتني إذا ما كنا نخلع الطواقي لتحية النساء في أمريكا إشارة منها للقائنا بالسوق وضحكت مرة أخري. كان عثمان يختفي لدقائق ثم يعود وكنت أعلم أنه يشرب بالخفاء. استخرج عوده وارتجل كلمة رحب بي فيها ومدح أصحاب الدار وقال أنهم أهل كرم ومرؤة ودار مفتوحة لناس الشجرة . ثم بدأ يدندن بالعود سألها:- "نبدأ بي شنو يا نوار"ردت:-"اختار أنت أو خلي ضيفنا يختار" التفت ألي وقالت "اوع تكون نسيت الغناء السوداني"قلت لها يستحيل الواحد ينسي الغناء السوداني وطلبت منهم الأختيار حتي أري أي فترة زمنية تروق لهم. وفعلاً اختارت وكانت تحب أغاني ابراهيم عوض وعثمان حسين. ولاحظت أنها تميل إلى أغاني الوجد والشوق. تغني عثمان وابدع وطال بنا الليل ثم ختم باغنية "يا نور النوار يا نورا" وضحكت بخجل عندما قال عثمان "الأغنية دي ما مكن تكون لاي زول في الدنيا غيرك يا نوار". بعدها استأذنا للمغادرة بعد أن شكرتهم علي العشاء والجلسة الجميلة معهم ونهض معنا أيضاً علي الدرويش الذي قال لها :- "نوار بكرة لازم تسمعي( ما يطلبه المستمعون) طلبت أغنية (يا نسيت أيامنا) للاستاذ الشفيع واهديتها ليك، (عبد الرؤوف محمد أحمد) قال حيجبوها آخر أغنية ". ضحكت وضحكنا ثم غادرنا وكان اسئلة كثيرة تثاورني. توقفنا عند بوابة الري مع تقاطع السكة حديد قرب جامع الري. جلس عثمان داخل كشك البوابة حيث يجلس عامل البوابة فكان لا يقوي على الوقوف، جلست في الأرض أمامه سألته عن هذه الأسرة فأنا لا أذكرهم في الشجرة. وبدأ يحكي لي الكثير عن هذه الأسرة. قال لي أن والدها ابراهيم الشريف توفي وهي بنت خمسة سنوات وحتي لا يفقدو البيت تم تعين جدتها عاملة في الري بعد أن توسط كبار أهل الري للمفتش. قال أن ابراهيم الشريف كان فني مكانيكة وابورات جاء منقولاً من عطبرة للري المصري، لم يعش طويلاً في الشجرة توفي بعد أربعة سنوات من قدومه، لقد كان متمكناً في المكنيكة كثيراً ما كان يصوب رأيه علي المهندسين بشهادة من عملوا معه. واخبرني أن شخصيته كانت غامضة، كان لا يصاحب كثير من الناس ، يجلس أمام بيته وحيداً يكتب كثيراً، و يستمع الى إذاعات بالانجليزي ويقرأ بعض المجلات الأنجليزية التي كانت تصله بالبريد شهرياً، وكان تصله خطابات كثيرة حتي كان الناس إذا رأوا محي ألدين بدراجة البوسطة متوجه إلى الري يعلمون أنه قاصد بيت الشريف. سألته عن أمها واخبرني أنها توفيت في ولادتها علي حسب ما ذكر والدها. سألته كيف توفي قال أنه توفي بسكتة قلبية في كوستي وهو في مأمورية . يذكر الناس طفولة نوار جيداً ويحفظوا كثيراً من القصص عنها. يقال أن والدها كان لا يعترضها في أي شيء شرعت فيه. فاذا خرجت وهو جالس أمام البيت في جلسته المعروفة يترك كل شيء ويمشي خلفها متابعاً، اليدين خلف الظهر والمشي ببطيء و الجلوس علي الأرض إذا وقفت لتتأمل شيءٌ شد انتباهها، ثم متابعتها حين تواصل المشي مرةً أخري. ولم يكن لها خط سير محدد، فتارةً تسلك شارع الري فتمر ببوابة الورش ثم تتابع إلى كبري الميزانية في الميناء، ثم الجناين ويستقبلها هنالك عم عبد الخير بورد الياسمين الذي كانت تحبه، ثم تصعد سلم ميدان الاسكواتش وتكمل الدورة بالعودة إلى البيت. وأحياناً أخري تسلك الجانب الأخر من البوابة فتمشي حتي تصل البحر وتخوض حتي تصل مصايد الأسماك ثم تعود مره أخري وكان في بعض المرات تتعب فيحملها والدها فتنام عليه. ويذكر الناس أيضاً حبها للقطار فعندما تسمع صوته تفتح الباب وتجري إلى البوابة، ويجري معها والدها أو علي الدرويش الذي يقضي معظم وقته في بيت الشريف. فتشير بيدها إلى ركاب القطار وداعاً، حتي أن بعض سائقي القطارات بدأوا يعرفونها فعندما يصل القطار منطقة اللاماب أو بوابة الذخيرة يبدو في الصفير المتواصل أملاً في أن تسمعهم وتخرج لتحي. وعندما يرونها يقذفون لها حلاوة "كسلا" في حالة المغادرة من الخرطوم واللالوب والقضيم والقونقليز في حالة العودة إلى الخرطوم. ولم تقتصر شعبيتها في ذلك فقط فأصبح عم أحمد يأخذها ببص الري بالقرب من عيادة علي العوض إلى البوابة ثم من البوابة تنتظر عجلة العيش أو عجلة البوسطة لتعود بها إلى البيت.
يذكر آدم غفير البحر أنها أجادت السباحة و عمرها حوالي ثلاث سنوات. لقد كان الشريف والدها متمكناً في السباحة وكان يأتي بها إلى البحر، ويدربها كثيراً. فأجادت السباحة وعبرت إلى الجزيرة أول مرة وهي في ألسنة الخامسة من عمرها. وقال لي أنه يذكر ذلك اليوم جيداً، فوالدها كان يجلس في الحديدة وطلب منها أن تعبر لوحدها إلى الجزيرة. وعندما تدخلت واعترضت والحديث لآدم وقلت له "الشافعة دي صغيرة يا زول". غضب غضباً شديداً وطلب مني ألا اتدخل بينه وبين ابنته وان ابتعد عنهم. بعدها جلس علي ركبتيه أمامها وتحدث معها كثيرا ثم حضنها وقبلها وطلب منها أن تعبر. يقول آدم لقد خلعت ثيابي وكنت جاهز للتدخل في حالة أنها تعبت "فلم أكن أضمن تصرفات الزول ده"، وفعلاً عبرت وبمجرد أن وصلت إلى الجزيرة صاح الشريف باعلي صوته "كلام نصو عربي ونصو انجليزي الفهمتو منو قود.. قود..قود..بري قود ".. ثم سبح هو عابراً واختفو في الجزيرة إلى ما بعد الغروب ثم سبحوا راجعين. "الزول ده حقيقي كان عندو تصرفات غريبة".
بعد وفاة والدها وهي لا زالت صغيرة لم تكن تعرف الخوف. فكانت تخرج أحيانا بالليل وتذهب إلى الجيران أو أي بيت يروق لها في الري. فاذا جأت ساعة نومها وافتقدوها يبحثون عنها دار دار. فيجدوها أحياناً نائمة في أحد البيوت، واحياناً يصعب العثور عليها، فيذهب الناس إلى الجامع ويزيعوا بالميكروفون (نوار ما لاقنها يا ناس). فيخرج الناس للبحث عنها. فيقول واحد "أنا شفتها بعد أذان المغرب بتلعب قدام بيت ناس القنالي". وآخر يقول:-"العصر شفتها في نمرة 4 طالعة في شجرة الجوافة "، وكان الناس أثناء بحثهم إذا مروا بالفكي العميان يقول لهم "يا أخونا ما تتعبو البت دي بترجع... البت دي فيها حكم". كثيراً من الأحيان كانوا يجدونها مع علي الدرويش الذي يصطحبها إلى السوق لشراء الكيك والباسطة لها من صدقي. فاصبح في حالة البحث عنها يبحث الناس أيضاً ويسألوا عن علي الدرويش.
كثير من الجيران كان يتفاءلون بطلتها فإذا دخلت منزلاً يفرحون ويتوقعون خيراً. أكثر الناس تفاوءلاً بها كان السخي فإذا مرت بشلة الكتشينة يناديها "يا نوار تعالي يا بتي لي عمك، تعالي جري لي الجوكر البخارجني من الوحوش ديل" فتسحب له فيكشف الكرت ويهتف "حبيبتي.. حبيبتي أنا.. حبيبتي نوار..كتلتكم كتلة...لب"
مرت السنين بالناس سريعاً وكأنها أيامٌ قلائل واكتملت نوار الصغيرة وتحلوت إلى فتاةٍ فارعةٌ مثقلة الأنوثة. وادركت مدي جديد في أبعاد جمالها المتزايد. أنشده الناس مع التحولات واصبح الحديث يأخذ ميلاً جديداً والنظرات تبحث عن نهاية لهذا الجمال. لم تأنس هي شيئاً جديداً عليها وحملت في دواخلها ثوابت لم تبحث عنها، لكن أدركتها بفهم مبدء انسانيتها، وحملت من ذلك حرية ذاتية مشبعة بدوافع خفية نحو شيء مجهول، ولمسة حزن دافئة غطت المشاعر و أطلت قليلاً من العيون.
سنوات الدراسة في مدرسة الشجرة المصرية كانت بداية الانجراف في تيار الحياة العنيف. في المدرسة كثر الأحبة والمعجبون . عبر البعض عن حبهم علي جدران المدرسة فلا تجد جانباً من المدرسة إلا وكتب علي جداره "أحب نورا" ، وعلي الأدراج رسمت القلوب و الأسهم والحروف. وانهمرت عليها الخطابات الغرامية. كل ما فهمته من الأحبة أن هنالك شيٌ أحسوه في دواخلهم يخصها. ولم تفهم ما خالط احاسيسهم من نزعة التملك و الاقتناء، فكان تناقض في نظرها أفسد المحصلة النهائية لما أسموه الحب. فاكتفت أن ترد بابتسامة لكل من صرح واباح وكان في ذلك أمل قوي يدفعهم للاستمرار والتمسك . خارج المدرسة يجلس علي الدرويش مع بائعات الحلوى يومياً في انتظارها. فهو لم يغب يوماً منذ سنوات المريلة، يأتي بها في الصباح ويعود لها ساعة الانصراف. وكان إذا أراد يقضي مشواراً وحتي يضمن حضوره قبل ساعة انصرافها يقوم بتأجير عجلة، و إذا لم يكن معه "شلنق الأيجار" يرهن الراديو مع حسين العجلاتي وكثيراً ما يتأخر عن ميعاد الترجيع بسبب بحثه عن من يسلفه "شلنق" لاسترداد الراديو. و عندما يظهر يري الغضب في وجه حسين ويقول له "يا تدفع ريال يا راديك ده أودي الدلالة" و يتحجج أن الجنزير وقع ولم يستطع تعديله. أثناء النقاش يباغت حسين ويحضنه من الخلف ويمسكه من الوسط كالمصارعين ويضحك ضحكته المتقطعة ويحلف بأنها آخر مره يتأخر فيها ويردد "عليك الله ..عليك الله.. عليك الله يا سحس".. ويكون ذلك كافي لنيل العفو واسترداد الراديو. وبعد استلام الراديو ونفخ الغبار عنه وضبط الموجة يسأل "اوع تكون فاتتني أغنية للشفيع" كان الأرتباط بين علي الدرويش ونوار قوي. فهي تفتحت علي هذه الدنيا ووجدته أمامها. تشعر بمنتهى الأمان معه. وكان يسهل لها كثير من الصعاب وتعتمد عليه في كثير من المهام . وتأخذ بنصيحته في لحظات التردد والحيرة. وكثيراً ما يصيب رأية. لم تنظر له أبداً علي أنه "درويش" وتكره هذا الأسم . و إذا نادة أحد بهذا الأسم تستنكر وتقول "اسمو علي عبد الله "، وهو يقول "الشريف أبوها موصيني عليها وهي أمانة في ضمتي ومؤكد علي ما أمنعا من أي شي دايرا". وكان علي ينفذ هذه الوصية تنفيذاً كاملاً لا يمنعها من أي شي شرعت فيه. فاذا كانت في البحر وارادت أن تسبح ينتظرها ويحاجج أدم غفير البحر الذي يعترض أن البت كبرت وما مفروض تعوم قدام الناس. وهو يرد "يا آدم عايمة بي هدوما وانا حارسا مافي زول عندو كلام". لم يكن لعلي أسرة في الشجرة ويعرف الناس أن له أخ يسكن الفتيحاب يزوره أسبوعياً بعد صلاة الجمعة ويعود للشجرة مع المغرب، يقضي معظم يومه في السوق وينام أمام بيت الشريف، يسترزق من العمالة اليومية من ردم و ازالت مخلفات البناء و النقاشة. و أيضاً معروف بمساعدة الناس في الأفراح والوفيات. فاذا حدثت مناسبة فرح أو وفاة في أي بيت في الشجرة يأتي ويقيم معهم حتي انقضاء المناسبة. فيقوم علي الضيوف بتوزيع المياه ورص الكراسي و قضاء الحوائج من السوق ويشهد له بالامانة. ولا يسأل عن أجر لكن العرف السائد يدفع له الناس بعض المال القليل الذي يأخذه بضحكة رضاء وهو يقول "يا أخوانا ده الواجب ". وكان يعزي الناس بالبكاء بعد الفاتحة ويردد "الله الله ".
خرج العم عرديب يحمل فأسه لجمع حطب الوقود من أشجار القرض المتكاثرة قرب البحر، وعلي البعد العم وليم ومشيته المميزة خطوات قصيرة وسريعة، وفي اتجاه آخر العربة الهيلمان أخذت دورتها والعم القنالي يتوقف بصورة متكررة ليسلم ويضاحك بشوق علي كثير من الناس الذين في الغالب كان آخر لقائه بهم قبل يوم أو بعض يوم. الجمعة مميزة هنا في هذه المدينة وصباح الجمعة أكثر تميزاً ، رائحة الطعام الشهي تفوح من كل دار . الكل في هذا اليوم يعود إلى أصوله واعداد الوجبات البلدية، وباختلاف الأعراق في هذا الحي علي عكس معظم أحياء الشجرة التي يطغي فيها جنس معين ، اختلفت روائح الأكل اللذيذ من دار إلى دار. دخلنا الري أنا و عثمان "كماان" وياليتنا دخلناه علي غفلة من أهله، فتفادي العزائم أمر بالغ الصعوبة، لقد كنا نقصد بيت الشريف فقد جأت لنا دعوة لاكل الملوحة التي يحبها عثمان وغالباً ما يكون قد طلبها. بدأ إلينا من علي البعد علي الدرويش يضحك ويتحدث إلينا ولا نسمعه. لكن الابتسامة واضحة، لم يصبر علي وصولنا تحرك نحونا مواصلاً كلامه الذي لا نسمعه وعند اقترابه أكثر تبين أنه كان يحتج علي أن عثمان لم يأتي بالعود معه. رد عليه عثمان ممازحاً "يا علي أنت راجل فنان وبتحب الغني وكلك احساس ، الغني لذيذ باليل.. صاح" رد علي وهو يضحك "في دي عندك حق..في دي عندك حق" .
جلسنا في الجنينة الصغيرة ودخل عثمان ليسلم وخرج يحمل معه جك ماء . ثم جأت نوار وجدتها ليرحبوا بنا. جلست وجلس بجوارها علي الذي بادر في الحديث وقال " الساعة عشرة ما جات يا ناس علشان ما يطلبه المستمعون
رد عليه عثمان " إن شاء الله عامل لي اهداء المرة دي" .
ضحك علي وقال " أنا دائماً بعمل الأهداء أولاً بي التبادي إلى نوار والحجة فاطمة بعداك الأهل عامة بي الشجرة والفيتيحاب " . ضحكنا ووسط هذا الجو الجميل تناولنا الملوحة وكانت شراهة عثمان في الاكل سبباً في أن نفرط في الأكل. بعدها اقترحت نوار أن نذهب إلى البحر حيث يبدو أن هنالك رحلات كثيرة ، في طريقنا إلى البحر كان يسير امامنا عثمان وعلي الدرويش وانا ونوار ليس ببعيد خلفهم. سألتني كم تبقي لاجازتي واخبرتها شهرين. أحسست أنها تريد أن تتحدث وكان بي تشوق للبحث في دواخل هذه الفتاة، فانا لم آتي بعد كل هذه السنين ابحث عن فتاةٍ صغيرة حسناء لاعشقها. أو باحثاً عن رومانسية ، لكن هذه الفتاة فيها شيءٌ خفي يجذبني وكأن كل شي حولها يسير وفق مراحل محددة. قالت لي أن جدتها أخذ مرض السكري من صحتها الكثير ولا تقوي علي أي مجهود، وحاولت معها كثيراً أن تقنعها أن تترك العمل لكنها رافضة. وقالت أنها تعلم أن سبب رفضها كي لا يفقدوا المنزل. وقالت أنها حولت إلى طالبة انتساب حيث تدرس في جامعة القاهرة الفرع حتي يتثني لها العمل في البوسطة مع الدراسة. وكانت تدرس التاريخ. سألتها هل تحبين علم التاريخ كان ردها أن التاريخ هو بحث عن حقائق أحداث الماضي البعيد وما يترتب علي ذلك من انعكاسات في الحاضر وتوقعات المستقبل . ضرب علي بيده علي جبهته وهذا يعني أنه تذكر شيءٌ كان قد نساه. التفت الينا وقال " يا الله ( مع مد نطق الله قليلاً) .. أبوي حاج حاكم قال أجي بعد الفطور قبل الصلاة علشان أنضف الجامع وافرش البروش الجديدة" . عض بأسنانه علي جلابيته واوصى علي نوار وجري مسرعاً في اتجاه الجامع وعندما رأي مرسي غير مساره جريه متفاديه. وكان الود مفقود بينهما. ركض مرسي خلفه وهو يقول "تعال يا عربي يا وهم " ردت عليه نوار محذراه "أحسن ليك يا مرسي " رد عليها مرسي "الوهم بتاعك ده صلحت ليه الراديو بتاعو مفروض يدفع لي طرادة ليهو شهرين كل يوم يقول لي بكرة أنا ما بخليهو والله لو أذن". جلسنا أنا وعثمان قرب المشتل نرقب هذه الدراما و نضحك مع الأحداث. كانت العلامات تشير إلى أن هنالك رحلات كثيرة في البحر. فوجدنا بعض الرحلات خارج السور الحديدي. وبدأت أصوات الميكرفونات تصل إلى مسامعنا. توقفت نوار عند صعودنا إلى شارع الري قرب كبري الميزانية وبدأت تنظر إلى دائرة الري حولها وكأنها استعادت بعض ذكرياتها، قطع تأملها عثمان الذي استعجلنا. ذهبت مباشرة لتسلم علي العم آدم في قطيتة ولامها لعدم رؤيته لها في أسبوع، واعتذرت بانشغالها مع مرض جدتها. بعدها تجولنا حول الرحلات التي كانت متنوعة، رحلات أسرية واخري شبابية وبعض رحلات العزابة. وجرت العادة عند عثمان أن يقوم بمسح استكشافي حتي يحدد أجمل فتاة في الرحلات ثم يجعل من رحلتها مركز يحوم حوله. اقترحت لهم العبور إلى الجزيرة ورفض عثمان الذي كان قد حدد هدفه و وجد فتاة "مبالغة ..ما اعتيادية" علي حد تعبيره . عبرنا أنا ونورا إلى الجزيرة بمركب علي الحواتي، وكانت الجزيرة أقل زحمة بكثير من الشاطي. الجو كان لطيفاً، جلسنا تحت احدي الأشجار الأرضية مع المياه. قالت أن هذا المكان كان المكان المفضل لوالدها. قلت في سري هذا مدخل جميل لكي أعرف قليلاً عن الشريف "الغامض". قلت لها بيدو أن والدك عليه رحمة الله كان يحب البحر كثيراً. قالت أبي كان يحب القراءة والكتابة والبحر والموسيقى. قلت لها الموسيقى متعجباً! ردت موسيقتكم الأمريكية عندو أسطوانات وشرايط كتيرة أنا حفظاها. نهضت وطلبت أن نتمشي ، حسيت أنها تريد التحدث دون النظر إلي. فاجأتني قائلة "داير تعرف شنو عني". قلت لها "عرفت عنك الكتير .. الناس بيحكو عنك كتير." تقدمت لاكون خلفها وقالت "قالو ليك أيه عني انسانة جميلة ضحكت بي تنهد " قلت لها "بيحبوك كتير " قالت "الحب هو شنو" . قطع حديثنا صيحات في الشاطيء انزعجت لها شديداً وقالت "في واحد غرق". اسرعنا وعبرنا عائدين وفعلاً غرق واحد من أحد الرحلات وجرت نوار تبكي عائدة إلي الري. وتحولت الأجواء الفرايحية في البحر إلى حزن عظيم . قال لي عثمان "الحفر كل يوم رحلات تأخد واحد" . قلت له "في يوم زي ده مفروض يكون في بواليس يمنعوا الناس من السباحة" قال عثمان "البوليس حيجي هسة بعد الزول ما غرق " .
اسرعنا عائدين حتي ندرك صلاة الجمعة. وعند دخولنا الجامع كان علي يجلس في مكانه المفضل أمام المنبر مباشرةً وينفعل مع الأمام بتحريك رأسه أما اشارةً للتأيد أو عدم التصديق أو الاندهاش حسب مسار الحديث ، ويطغي صوته علي كل الأصوات في ترديد الصلاة علي الرسول، ويغير من أوضاع جلسته كثيراً مع أحداث الخطبة . وقف العم عمر يس في باب المسجد ينظر ليجد لنفسه مجلساً والأمام يختم في خطبته ويقول "أيها المؤمنون إن الله يامر بالعدل ولاحسان و ايتاء زي القربي" ردد العم عمر بطريقته المعروفة في الكلام، سرعة مع ترديد بعض الكلمات مرتين قال " مؤمنين ...مؤمنين (ويشير بيديه) ديل..ديل.. نصهم حرامية..قال مؤمنين..حرامية " وجلس، كان كلامه مسموع لكل الصف الخلفي، كتم من استطاع ضحكته من من سمعوه حتي يحافظوا علي جمعتهم، وعلم من لم يسمعوه أن أول شي يجب أن يعرفوه بعد الصلاة ماذا قال العم عمر يس!. وقد كان العم عمر غاضباً بسبب سرقة حذائه الجديد في الجمعة الماضية . عقب الصلاة كالعادة وقف الناس ليحيوا بعض وشرع علي في لف البروش الخارجية علي عجل عندما رأني سألني إن كانت نوار رجعت إلى البيت، وقال لي أنه سيذهب إلى الفتيحاب ويعود في المساء وهمس لي قائلاً "تعالو المساء أنت وعثمان وجيبو العود ...التفت كأنما خاف أن يسمعه أحد ثم ضحك مواصلاً "الشيوخ جنهم وجن الغناء" ثم سألني "يا ربي أمشي الفتيحاب بجلابيتي دي! يا زول أقول ليك أحسن أمشي أغير والبس البنطلون التريفيرا الظهري بتاع العيد بنطلون قيافة كنت فصلتوا عند عمك صلاح الترزي الأفرنجي، جماعتنا لما يشوفني مظبط قعد ينبسطو شديد ويتلموا فيني. كمان وكت ألبس الساعة الاداني ليها الشريف، يا زول شيخ الحلة يقيف يتفرج. سألته أي ساعة قال لي " ما قعد ألبسا خالص. الشريف قال لي الساعة دي غالية وقال لي ما تضيعا إذا يوم أنجبرتا تبيعا وراني محل في شارع الجمهورية بتاع واحد أغريقي قال لي ده الوحيد العارف قيمتا وانو راجل أمين بيديك سعرها البتستاهلو". تعجبت واصابني الفضول لرؤية هذه الساعة.
لم يكن جامع الري مجرد مكان لأداة الصلاة فقط ولكن مركزاً تجابه فيه كثير من قضايا المنطقة، فينصر المظلوم ، ويصلح بين المتخاصمين، وتؤخذ المشورة لتحسين الخدمات وتوفير النواقص للمدارس والشفخانات والتعاونيات ، والسعي في كل خير. رجال تحركوا من خلال من مباديء بسيطة وقيمة كان أدناها أداء الواجب بكل طيبة خاطر. وقفة الشيوخ و الحجاج كانت مشهودة في فناء الجامع، النقاش وجيز والاجماع سريع والتحرك أسرع. كانت المقامات محفوظة وللكلام أصوله العرفية، ولا يملك أحد من الرأي إلا ابدائه للشيوخ بكل أدب و توجيههم لشيءٌ خفي عليهم يكون عن طريق لفت انتباهم، وترك صدور الرأي لهم و استنباط الصواب منهم، وذلك لم يكن خوفاً ولكن حفظاً لمكانتهم وتبجيلاً لدورهم القيادي و الحفاظ علي عرفية أصول التعامل في هذه المدينة القرية حيث وجود الكبير المسموع حتمية لا بد منها.
مع خروج الناس من الجامع تصادف مرور قطار لم يكن غريبٌ قائده الذي يحي ويضحك مع كثيرٌ منهم، أنه عيسى رستم وكان واضحاً من سرعة القطار المتناقصة أنه سيقف امام داره لقضاء حاجةٍ ما ثم مواصلة الرحيل. توقفت للقطار عربة بوكس عند البوابة وعرف كلٌ من رأي ركابها وجهتها، العم سليمان فضل يجلس في الكرسي الأمامي مع السائق وعلي صندوق البوكس مجموعة من الناس بداء الحزن واضحاً علي وجوههم فلاشك أن العربة متوجهة إلى البحر والعم سليمان فضل في مهمته المعروفة البحث عن الغريق الذي ساقته الأقدار إلى هذه المدينة لينفذ أمر الله.
تحرك العم علي العوض من الشفخانة علي دراجتة الرالي قاصداً بيت الشريف ، عند اقترابه استقبله علي الدرويش الذي كان يتوقعه و يترقبه قرب الدار، استلم علي الدراجة منه واركزها علي جدار الدار قرب الباب ثم حمل له شنطته الطبية وفتح الباب له وهو ينادي "الحكيم وصل يا نوار...اتفضل يا عم علي ". دخل عم علي العوض و استقبلته نوار وسألها عن صحة الحجة فاطمة وقالت له أنها رافضة الأكل ومنهكة القوة. بعد الكشف عليها قرر العم علي العوض تحويلها إلى مستشفي الخرطوم لمقابلة أخصائي وتوقع ادخالها المستشفي لعدم انتظام دقات القلب
أحضر علي عربة تاكسي من السوق وكلما صادف أحد في شارع الري أخرج رأسه من العربة و أخبره أن عم علي العوض حول الحجة فاطمة لمستشفي الخرطوم وطلب منه أن يكلم الناس باحتمال ادخالها المستشفي.
لقد كان مرض الحجة فاطمة صعب علي نورا واثار عليها الهموم وخشيت فقدها. فهي كانت لها الأم و الأهل ولا تعرف لنفسها من أهلٍ غيرها. فلم يكن هنالك أقارب تعرفهم ولا تعرف غير الشجرة وطنٌ وغير الري بلدةٌ. وكانت تتحاشي الخوض في معرفة أصولها، ربما أحست أن هذا الوضع قد يكون أفضل مما قد يكون أخفي عنها بقصد أو غير قصد. اعترض كثيرون علي زواج ابنائهم منها رغم جمالها وحبهم لها لعدم وضوح أصولها. ويذكر الناس أحمد سلطان الذي هجر البلد ألي لندن ورفض العودة نهائياً بسبب رفض أهله الزواج منها بحجة أنها غير معروفة الأصل وانها غير مختونة . ويقول بعض من صادفوه في لندن أنه أدمن المخدرات ويعيش حياة ادمان ودمار. كانت بعض الروايات واصحاب القيل والقال يشككون في رواية الشريف من أن أمها توفت بعد ولادتها. واخرون ذهبو لابعد من ذلك حيث شككوا في أن الشريف والدها بسبب تباين ملامحها و ملامحه ، لون العيون ولون الشعر، اللون القمحي الأقرب من البياض ولون الشريف والحجة فاطمة الأسمر . رغم ذلك إلا أن الجميع متفقون أن مشيتها أشبه بمشية الشريف. تحدث البعض أيضاً أن تسجيلها في المدرسة كان بشهادة تسنين وليس ميلاد مما يؤكد أن الشريف يخفي شيئاً. كثرت الروايات و وصلت قمتها بعد موت الشريف حيث لم يوجد له أهل لتقبل العزاء عليه . وعندما سأل الناس فاطمة الهبانية إن كان لها أهل تريد أخبارهم بوفاته، قالت أن أهلهم من منطقة بعيدة ولن يستطيعوا الحضور للعزاء وانها سترسل تلغراف لهم بخبر الوفاة واقامة العزاء هناك وكانت متحفظة في اجاباتها ومختصرة الحديث. كيف أختلط الحب والخوف في قلوب هوءلا الناس لهذه الفتاة . ماذا خفي عنهم وماذا يهابون . لقد نشأت بينهم وكانت كتاب مفتوح لهم منذ سنوات التفاؤل و عم عبد الخير وورد الياسمين . صفير القطار والبحث عنها دار دار. أي قوة هذه التي تسلب من هذا الجمال امتداده . واي أصول هذه التي تعكر نقاء هذه الفتاة وقف عثمان شربكوت أمام مطعمه ينادي العم ناصر ويسأله " الليلة علي الخرابة ده مشي وين .. ما جاء عليك بهناك كت دايرو يصل لي طاحونة كورينا " أشار عم ناصر بالنفي تدخل حسين العجلاتي "دايماً لما يختفي الدنيا كلها تفتش فيهو".. اختلف شكل السوق و ايقاعه مع غياب علي وتواجده في مستشفي الخرطوم مرافقاً الحجة فاطمة ونورا. بحث عنه بعض الناس الذين كان يريدونه لمهمةٍ ما. فهنالك من أتي يريد أن يردم البيت قبل طهور أولاده. وهنالك من كان يريد تغير عرش الراكوبة في منزله استعداداً لسماية مولوده ،والخالة فتحية ثقلت عليها قفة الخضار في يمينها وربطة القش في شمالها، تلفتت يميناً ويساراً بحثاً عنه وتوكلت وحملت أثقالها متساءلة (يا ربي وين علي الليلة ) في مستشفي الخرطوم فرض علي نفسه بحيوية واصبح شخصية معروفة للجميع،الممرضين ، الدكاترة، وفوق كل ذلك غفراء المستشفي اصبح لهم صديقٌ حميم، واستفاد كثير من ناس الشجرة زوار الحجة فاطمة من هذه العلاقة السريعة الوطيدة مع الغفراء ، فسمح لنساء الري من الجيران أدخال "عواميد" الأكل الدسم رغم لوائح المستشفي التي تمنع ذلك ، أما المتأخرون علي ساعات الزيارة يحدث لهم علي بأبتسامة آدم الغفير "يا حاج آدم ديل جماعتنا عليك الله جايين من بعيد عاوزين يطمنو علي الحجة سريع ويطلعوا ". وينظر آدم في جمهور الناس المحجوزين أمامه وينقي جماعة (علي) ناس الشجرة منهم ويقفل الباب في وجوه من سواهم ولا يبالي . أما مرضي العنبر الذي كانت به الحاجة فاطمة فأصبح يعرف اسمائهم واسماء مرافقيهم واذا أراد أحداً منهم شيئاً من خارج المستشفي يذهب لإحضاره. أثناء تحركه في فناء المستشفى إذا رأي مريض يحمل علي نقالة يجري ويساعد في حمل المريض . أما إذا كانت جنازة فيبكي من غير أن يعرف إن كان الميت رجل أو أمرأة و يقول "يا اخوانا ده امر الله".
لم تتحسن حالة الحجة فاطمة كثيراً. في اليوم الرابع لدخولها المستشفي دخلت في غيبوبة مما استدعي تحويلها للعناية المكثفة التي مكثت فيها يومين وفارقت الحياة. كان الصدمة كبيرة علي نورا التي كانت في حالة صمت تام ولم تبكي ولم تذرف الدمع . حاول النساء أن يبكونها خوفاً عليها من أن تكتم الحزن ولكن دون جدوي. بكي علي عليها كثيراً وكان الناس يعزونه ويرفعون معه الفاتحة. كلما رفع أحد الفاتحة معه بكي وهو يردد أسمه ويقول "الله يا حاجة فاطمة ". انقضت ثلاثة أيام علي العزاء وعقب صلاة المغرب شرع الصبيان في فك صيوان العزاء. وجلس أصحاب الرأي والحزم من رجال الري يتفاكرون في ما يجب عمله، فالواجب والمسؤلية كبيرة. يتيمة قادتها ظروف غير طبيعية لا علم لهم بها إلى هذه البلدة نشأت بينهم وفقدت أسرتها عندهم. فكلٍ واحد أبدا استعداده لاستقبالها في داره ولها ما علي ابنائه. وتشاوروا كثيراً وتفاكروا طويلاً واجمعوا علي أن علي هو أهلها ولن تقبل نوار غيره أهلاً. نادي الأرباب علي الذي أتاه جرياً وسأله عن شهادة ميلاده وجنسيته فقال له " ما عندي شهادة ميلاد لكن نوار كانت كلمت لي ود الياس عمل لي شهادة تسنين حافظاها مع الجنسية في شنطة الأوراق المهمة بتاعتا" فطلب منه أن يلقاه في الجامع في صلاة الفجر وان يحضر معه الجنسية وشهادة التسنين و يستعد للعمل بالري من الأسبوع القادم وكان أمراً محسوماً. "حصلوا يا ناس .. حصلوا... حصلوا.. يا حول لله.." يصيح علي بصورة هيستيرية وهو يجري بسرعة شديدة موازياً سكة الحديد لم يتوقف حتي وصل دكان قبيل استفرغ قرب المزيرة وجلس في الأرض قرب حوض الحنفية واضعاً يديه فوق رأسه وهو يتشهد ويرجف . تجمهر ناس السوق حوله ويسألونه عن الحاصل. شربكوت قال "المصوع ده يكون هبشلو سلك كهرباء يا في كرقة يا حيطة ..رجفو ده إلا كهرباء نجمتو " أشار علي بيديه نافياً وهو لا يقدر علي الكلام. رد شربكوت طيب يبقا يا شقي تكون واحدة قضيتلها غرض أدتك باقي ملاح بايت سممك، طراشك ده إلا متسمم بي شي ! هز علي رأسه نافياً ذلك أيضاً. صاح فيه العم عتيق بغضب "يا ولد ما تتكلم في شنو .. الله " تلعثم علي وقال "في زول دقشو القطر قطعوا حتة حتة جنب تحولية الري قريب لحمام البخار" . أسرع الناس في اتجاه تحويلة الري وكلما صادفهم أحد في الطريق أخبروه بما قال علي، انضم اليهم وصار عددهم في ازدياد ما أن وصلوا مكان الحادث كانت جمهرة كبيرة. سريعاً عم الخبر الشجرة كلها . وصل كومر نقطة البوليس وبدأوا في التحقيق ثم وصل بوليس السكة حديد الذي تم الأتصال بهم من بوابة الري، وقالوا أن سائق آخر قطار عبر بالشجرة نفي اصطدام أي شخص أو وقوع أي حادث. استجوب البوليس علي الذي كان يقف بعيداً و سأله إذا شاهد الحادث "رد علي والله يا همباشة أنا كنت في السجانة ركبت بص اللاماب بس للقدر وقلت المشوار قريب آخدا مشي بالسكة حديد للشجرة أها لما جيت فوق الزول ولله والله أنا لو ما حافظ اية الكرسي كنت جنيت." تبين فيما بعد أنها جريمة قتل وان منفذها أراد أن يخفي الجريمة علي أنها حادث قطار. تحدث الناس كثيراً عن هذه الجريمة لليالي طوال وتحدث علي كثيراً عنها واصبح يخاف من ذلك المكان ويتفادي المرور به خصوصاً في الليل.
توالت الأيام علي نورا التي لازمت البيت كثيراً بعد وفاة فاطمة الهبانية وتوقفت عن العمل في البوستة . حاول علي كثيراً أن يكسر حاجز الحزن ويقنعها بالخروج بطرق عديدة لكن معظمها فشلت. وكانت مفاجأة له عندما كان يجلس أمام البيت كعادته و إذا نورا تخرج من البيت نهض قافزاً نحوها . وقال "نوار أشتقتي للغروب في البحر..نمشي البحر..ولا أقول ليك يلا نعمل لفة نبداها من شارع الري للجناين..ولا نصل السوق نجيب لينا باسطة من صدقي ". لم تتحدث ومشت في اتجاه شارع الري وعلي يمشي معها، يتحدث كثيراً كعادته وهي تسمعه. وقف علي وهو يشير برجله علي أثر بوهية قديمة في ظلط شارع الري وقال "تطري البوهية دي يا نوار ..دي كانت علبة بوهية خضرا أتدفقت منك وانتي صغيرة كنا راكبين كارو وكانت بوهية للكراسي للعيد...أنا معلم مكانا ببيت ناس النجومي " قالت نوار متذكراها وكلما نمر بيها بتزكرني بيها يا علي"..مر بهم العم سليمان السخي وقال "يا بت يا نوار الحاصل شنو امبارح كنت في البوستة الصادق قال لي لسة ما نزلتي الشغل، يا بتي ده حال الدنيا ما بنقدر نغير فيهو حاجة والله الناس كلها فاقداك!! الله لازم تقوي شوية كدا وتنزلي يا بتي .." ردت نورا "حاضر ياعمي الأسبوع الجاي ببدأ اشتغل " ثم واصلوا مسيرهم مر بهم أستاذ فايز المصري الذي درس نوار وقال "البقية في حياتك يا نورا ، انا لم سمعت حزنت والله قوي الحاجة برضو كانت ليها معزة والله ..لو أحتجتي أي حاجة أبقي قوليلي والله أنا في الخدمة" ردت نوار "شكراً يا ستاذ فايز ..ثم وصلوا مسيرهم . سألت نورا علي كيف جاء إلى الشجرة ، رد علي أنا يا نوار جيت مع سيرة لعرس الجيلي ود عمنا..كان أتزوج وحداة من بنات الحماداب. قطع حديثه راداً السلام لخالتي زهرة ثم واصل أها ناس السيرة رجعوا وانا قعدت للصبحية . بعد الصبحية شفتها شينة أمشي أرجع وناس العروس حالم جايط انتي عارفة الأعراس. بعداك والله حبيت ناس الشجرة حالم زي حالنا في الفتيحاب كلهم زي الأقارب. سألته نورا كيف تعرف علي والدها رد علي " الشريف أبوك ما في زول زيو . راجل رسمي و حقاني وطيب ما بيحب اللف والدوران. اتعرفت بيهو مرة كان عاوزني أفتح ليهو السبلوقات للخريف بعد داك كنت كلما أجي الري اغشاه واسلم عليهو و اسألوا لو محتاج حاجة . كان دايماً يقعد قدام البيت يكتب ويقرا مجلات ويسمع الراديو . الراديو الأولاني بتاعي الناشونال كان اداني ليهو." سألته نورا ما حصل سألتو بيكتب شنو. رد "أظن مرة سألتو قال لي في حاجات في حياة الواحد بتمر بيهو بيحتاج يكتبا " ردت نورا كتب كل شي لي ولم يكتب أهم شي. دفع علي الطرادة أخيراً لمرسي وشهد عليه. وقفل حسابه في دكان رؤوف حيث كان مطلوب حق ستة "قزايز دبل كولا " وعفاه حسين العجلاتي ريالين عفي عليهما الدهر من التأخر في استرجاع عجلة الأيجار. ووفر كمان ما يكفي لشراء عجلة الأحلام من دكان الخواجة في الخرطوم. رالي دبل انجليزية أصلية. لم يتغير علي كثيراً بعد العمل في الري فأشرف عليه العم عبد الوهاب في الورشة وعانى معه في الأيام الأولي حيث كان يجوب في كل الأماكن من المكاتب إلى البواخر. وحياته أيضاً لم تغير ينام أمام البيت الذي أصبح بأسمه وهو لم يغير أسم البيت القديم فيقول "أنا ماشي بيت الشريف". ولم ينجو من سخرية شربكوت الذي أصبح يناديه " الموظف ".
جلس علي ونورا في هذه التلة الجميلة أمام البيت كما جرت العادة لشاي المغرب المقنن والعجلة بجواره ينظر لها بين اللحظة والاخري وابتسامة رضا تعلو وجه. الراديو علي التربيزة وصوته أكثر وضوحاً بعد أن أصبح علي يغير البطاريات في الوقت المطلوب. عثمان حسين يشجي السمع ويردد (بالمعزة بالمودة البينا... بي أغلي الصلات). ويسأل علي نورا " أنا يا نوار شايف أحسن نكرم للعجلة! لكن الخرفان غالية ... والله أحسن حاجة نعمل شاي لبن مع ليقيمات نودي الجامع للناس في صلاة المغرب زي العملنا في الصدقة للحجة فاطمة الله يرحما ونسأل أبوي حاج حاكم يدينا الفاتحة "..وتسمع نورا كثيراً .. ثم يواصل "والله يا نوار أنا كان نفسي في عجلة من زمان خصوصاً لما انتي كتي صغيرة كتي بتحبي فسحة العجلة لكن محي ألدين ما كان مقصر كلما يجيب جواب للشريف يديك فسحة .". وتسمع نورا علي مرات وتنفعل مع كلمات عثمان حسين ( بالعذاب الشفتو والسر الكتمتو وباقي الطيبات ....استحلفك تترك سبيلي.....) وصل الوجدان مرحلة الذوبان الداخلي وارتفعت الأشجان وغمرت الروح، ونورا تلاحق ضوء القمر، ومن المجهول تنسج ملامح المصير . وتسرح بعيد مع خط الأفق. وعند حد البصر تبحث عن ضوءاً آخر للقمر يلاحق أفق جديد فيه السماء لا تلقي الأرض. والسمع يبحث عن معني آخر لقصتنا. ويعود اللحن يطرق المسامع (أنا بي حناني ) وصوت علي يعلو ويرتفع ويطغي علي صوت الراديو ويردد مع اللحن ( حناااانييي ) . نورا ترتفع وتحلق مع الروح ويسقط كل شي حولها ويزداد القمر نورا وتزداد نورا نارا.. وتسمو الأحاسيس وينساب أللحن مع تيار الشجون ووتهمس مع اللحن ( في مسيري المضني من أجل الحقيقة ).. وتنظر نورا إلى علي وتتأمله وهو يتحدث ولا تسمعه ويسأل عن شيء . وتسمع صوت في الدواخل يصيح ويسأل هل علي ملك. تهز رأساها تجيب نعم . وعلي يسمع نعم ويواصل حديثه ويضحك وهي تتأمل أكتر وتقول ما أظن يكون بشر . وتهمس هي كيف يكون بشر. لقد كانت البداية في طريق الأشجان قصة أحمد سلطان . أحست نورا بخطورة وضعها في هذه الدنيا. منذ أن خفق القلب وهمت به. فهو عشقها إلى درجة الجنون . لقد كان أحمد في قمة الوجاهة ومن أسرة عريقة. وكان حلم كثير من البنات. وهو لا يخفي حبه لنورا وكلما فقدت واحدة الأمل في أن يحبها توجه غضبها وسخطها إلي نورا، وكثيراً ما كان هذا الغضب كلمات تشكك في أصول نوار وتلمح إلى أنها "بت حرام " أو لقيطة". صدت نورا أحمد حيث أنها تعلم أن حبه سيفتح عليها حرباً هوداء من أهله . وهو لم يفقد الأمل أبداً طلب من أهله أن يخطبوها له واعترضت أمه بشدة وهددته بأن لا ترضي عليه إلى الأبد. كلما قابلت سهام شقيقة أحمد نورا استخفت بها وشككت في أصلها وطلبت من نورا في احدي المرات أن تعرف قدرها وتبعد عن أخيها. عرض أحمد علي نورا الهروب من الشجرة إلى أي مكان لكنها رفضت ذلك بشدة وطلبت منه أن يبتعد عنها. تشاور آل سلطان وكان حلهم في أبعاد أحمد عن نورا هو ارساله إلى لندن للدراسه وسافر أحمد لكن لم يدرس فعاش حياة غريبة كأنها انتقام من أهله حيث عرف عنه ادمان المخدرات وليالي النساء الحمرا .
سافرت سيرة عوض عابدين للابيض بالطيارة. دخل علي السوق يقتاد عجلته عندما رأوه ناس السوق ضحكوا وقال حسين " السيرة الما قدرت تمشي فيها دي ما بننساها " ثم لم يفوت شربكوت الفرصة " يا خرابة أنا قتلك أنت تعبان ساي، السيرة دي محتاجة بظابورت و تأشيرة وانت التكيل خشمك ما عندك "
رد علي :- والله أنا كنت ضامنا لأني موسط أستاذ سيد وعم حسن حامد، لكن أخرتا فكرت قلت نوار براها وانا زول جديد في الري، يقوم الناس ديل يرفدوني من الشغل والزمن ده ما بالساهل تلقي شغل، والله كيف يا عم ناصر "
واستمر :- وكمان أنا قلبي متخوف من ركوب الطيارة. عليك الله سيرة الباص مالا .. هسة لما يصلوا الابيض يا ربي يقدروا يغنوا لسواق الطيارة دور بينا البلد ده واحرق الجزلين البابور جاز." الأعراس في هذه المدينة مناسبة كبيرة. فمجرد أن حدد اليوم للعرس يبدء الفرح . البيت الذي به الفرح يكون (بيت العرس ) . الناس مشغولة علي مدار اليوم . لوري بيخت العبيد ينزل دورين تراب ردمية قدام (بيت العرس). الضو يوصل لمبات زيادة في أركان البيت . الكراسي ألمهتكة من نصيب عثمان كراسي. أم العروس ماشية قدام كارو محمل بترابيز مخلخلة في اتجاه أدوار النجار. أولاد الجيران يضربوا ألجير والبوهية. أما العريس في الشارع "يا عريس .. يا عريس ". في السوق كوم الطماطم للعريس معاه زيادة طماطمتين. اللحمة الرخص مضمونة من الخير. في شارع الري حيث تتصادف الخطي دائماً دعوات الخالات ( الله يتمم ليك علي خير ... وعقبال أخيانك..) أضعف الأيمان ابتسامة ود من الجميع. صوت الدلوكة وغناء البنات، رائحة البخور ، لمة أصحاب العريس جنب العمود. الكل يخطط


عدل سابقا من قبل عبد الوهاب احمد في الخميس 14 يونيو 2012, 5:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الوهاب احمد
الرئيس الفخري
الرئيس الفخري
عبد الوهاب احمد


الجنس : ذكر الاسم كامل : عبد الوهاب احمد عبده سليمان

استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   Empty
مُساهمةموضوع: الصفحة الثانية   استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   I_icon_minitimeالخميس 14 يونيو 2012, 5:44 pm

" بلا ايزي بلا زفت والله تلحق تقل أدبك تاني جنك ده أطيرو ليك." طلبت نورا من علي أن يتركه ثم بكت وعادت مسرعة إلى البيت . سمعت صوت علي في البيت يحدث أمي التي طلبت منه أن يبحث لها عن غنماياتها المسروقة ووعدته بمكافأة كيلة تمر. ضحك علي وقال "إن شاء لله بس يكون قنديل ..عرفاني قعد أدورو. ". استنكر علي كثرة الحرامية هذه الأيام وقال " والله أنا زمان أنوم وراديي جنبي فوق الطربيذة ما في حاجة تجي للصباح هسة بقيت أخاف يشيلني النوم وانساهو، علشان كدة بختو فوق صدري. مرات تجيني صحية ألقا الأرسال انتهي أقوم ادخلوا في البيت واجي أواصل النوم " ثم واصل "لكن سمعت قالوا ديرين يعملوا دورية في كل حلة وكمان في الجامع الحجاج اتكلموا حيطلبو من ضابط النقطة يطلع ناس السواري" . قبل خروجه أكد علي لأمي أنه يعرف شكل غنمايتها جيداً وخصوصاً العناق السوداء المنقطة بالابيض وعلي حد تعبير علي "اصلو مافي غنماية تشبها"، وانه سيجوب كل الشجرة وما جاورها من مناطق بحثاً عن الغنمايات ودعت له أمي بالخير ورفض الفطور حيث أنه ذاهب لتجهيز الجامع لصلاة الجمعة وسيفطر في بيت حاج حاكم. جاء علي ألي في الصالون واخبرني أن نورا تدعوني لشاي المغرب اليوم. لقد احترت كثيراً فجرت العادة أن مثل هذه الدعاوي تأتي من خلال عثمان كمان فلم أكن أعلم هل أخبره أم اذهب لوحدي. في المساء ذهبت ولم أخبر عثمان كمان وكان بي كثير من الشوق لمعرفة سبب هذه الدعوة . عند وصولي لم أجد علي ولكن سريره في مكانه أمام البيت وثلاثة كراسي علي شكل نصف دائرة مع السرير وطربيذة علي في المنتصف. طرقت علي الباب وجلست علي احدي الكراسي. خرجت نورا تحمل الشاي الذي يبدو كان جاهزاً وضعته في الطربيذة وسلمت علي ومازحتني في أن مواعيدي مواعيد خواجات. سألتها عن علي واخبرتني أن اليوم الجمعة وكعادته ذهب للفتيحاب وسيعود مع العشاء. ثم ذهبت واحضرت المسجل ومجموعة من الشرايط معظمها لعثمان حسين وابراهيم عوض ولفت نظري مجموعة أخري من الشرايط الغربية لفرقة البيتلز وفرقة لد زبلن والفنان ري شارلز و اريك كلابتون. سألتها هل تسمعين هذه الموسيقى وقالت أنها شرايط كانت تخص والدها أحياناً تسمعها للذكري وتروق لها بعض الأغاني التي تفهم قليل من معانيها وتحب اللحن. واشارت لاغنية لد زبلن (stairway to heaven) واغنية البيتلز (Hey Jude)
قلت لها أن هذه الأغاني من الأغاني الخالدة لموسيقى الروك. واطريت علي ذوق الشريف الموسيقي. ثاورني احساس أنها تريد التحدث عن والدها وموضوع الشرايط الغربية مجرد تمهيد للدوخول في الحديث. قلت لها هل تذكريه جيداً! توجهت بنظرها بعيداً عني "كيف أنساه وهو معي في كل لحظة وثانية ..أسمع صوته وكانه لم يمت يحدثني في كل موقف وكل مرحلة " قلت لها " لا شك فراق أي والد صعب " . بعدها قالت ما رأيك أن نذهب للبحر بعد أن يحضر علي لم أبدي أي رفض بل رحبت بالفكرة. لم يمر كثيراً من الوقت وظهر علي وعندما رآنا نجلس بداء يتحدث ويضحك ولا نسمعه وعندما اقترب أكثر سأل عن عثمان كمان والعود. لقد كان مختلفاً من حيث اللبس والساعة في يده لفتت نظري سألته " أيه الساعة الجميلة دي " رد " دي الساعة الكلمتك بيها كان اداني ليها الشريف الله ريحمو استخرجها من يده وناولني لها وكانت المفاجأة أن الساعة رولكس وبها يبدو ماس في الأرقام 12, 3, 6, 9 . اندهشت كثيراً وقلت له حافظ علي هذه الساعة لانها قيمة جداً يا علي. قال لي "أنا أيام كنت داير أبيعا أيام مرض الحاجة فاطمة، مشيت للاغريقي الوراني ليهو الشريف في شارع الجمهورية يا زول الراجل طلب من بطاقة شخصية وشاهد تقول أنا دير أبيع واطة يا زول زهجت و رجعت جيت لقيت أمر الله سبق في الحجة فاطمة..ثم بدأ متأثراً وقال "الفاتحة " ورفعنا معه أيدينا بالفاتحة ثم استغفر وقال الحمد لله " ثم سألني يعني "الساعة تمنا بيكون تمن عجلة رالي دبل " قلت " الساعة دي تجيب ليك عربية بسهولة " ضحك علي غير مصدق وقال لي أنا ما ببيعا لو حتي بتجيب لي لوري تيمس لأنها من الشريف " .
لقد ذهبت كثيراً في حياتي للبحر ليلاً ولكن في هذه الليلة لا أدري لماذا بدأ لي البحر أكثر روعةً . القمر كان مكتملاً وتوسط السماء ، صوت الموج المتقطع ورائحة شباك السمك. مراكب الحواتة العابرة في نص البحر ومجموعة أنس كانت تجلس بعيداً وتغني صوت العود يأتي الينا وضحكاتهم تشير إلى النشوى وردد المغني "خلاص كبرتي وليك تسعطاشر سنة " واصبح ينقص التسعطاشر سنة في " أيه يجمعن غير التسعطاشر سنة " إلى أن وصل تلطاشر سنة ثم قال احدهم " والله أنت مفروض يودوك السجن لأنك بتاع قصر" وضحكو جميعهم وضحكنا لما سمعنا.
ذهب علي ليحدث آدم في موضوع الزيادة المتوقعة في مرتبات العمال في الري. سألتني " سمعت أنك ستسافر بعد أسبوع ؟" قلت لها أن الأجازة انتهت وحقاً كانت واحدة من امتع زيارتي للسودان وفي دواخلي قلت أنها كانت اجازة حولك أيتها الفتاة الجميلة. سألتني ماذا نحتاج في تلك البلاد البعيدة. قلت لها أن أمي جهزت كل ما احتاجه وما لا احتاجه فهي تذهب إلا السوق يومياً وتأتي بكل أنواع التوابل من حلبة "أفضل شي لعلاج وعكات البطن في رائيها " و شمار وشطة وحلومر وكركدي. قالت لي نورا سأعطيك بعض الاشياء وانت مسافر أوعدني أن تحتفظ بها وعلي حد تعبيرها "ما معروف أيه الحيحصل " . قلت لها "أشياء كيف " .. قالت أوراق وكتاب ما تشيل هم يمكن تتسلي بيهم " .
طلبت واحد عدس و واحد كبدة وكان شربكوت حفياً بأضافة قليلاً من دمعة الكمونية علي العدس. جلست في مكاني المفضل تحت النيمة وقام أحد العمال بمسح الطربيذة وتجهيزها و وضع أمامي"الملاحة" المصنوعة من علبتين صلصلة ويبدو أنها انتاج محلي من انجاز عثمان كراسي. أنه اليوم قبل الأخير وغداً سيكون الرحيل والاتجاه إلى البلاد البعيدة في أقصي الغرب. كان لابدا أن ابداء يومي هذا بالسوق ومشاهدة أكبر عدد من الناس الذين حتماً سيكون لهم نصيب من أمواج الحنين والشوق و التي بوادرها قد عجلت وبدأت تصل إلي شواطيء الروح. أسمع طرائف شربكوت وهذا رجل يطلب منه زيادة عدس ليكمل بها ما تبقي له من خبز و يرد شربكوت " هي عيشة الجن دي لليلة ما خلصت .. المرة الجاية لفها في جريدي لشاي الصباح " أضحك و أنا أتابع سرعة تعاليقة واركز مع الأصوات المتداخلة في السوق، صوت الراديو في دكان حسين العجلاتي ، صوت أجراس المدارس وجرس عجلة . أراقب كل داخل وخارج وعابر، واحسدهم علي سهولة الحياة . لا أدري هل لأهل هذه البلدة الطيبة أحلام و أماني، أم أن قناعاتهم أصدق من كل الأحلام ويقينهم أنبأ من الآمنيات . حتماً أن الحياة هنا رفاهية مجهولة. أين لك في مدينة أن تجد هذه الحياة و هؤلا الناس المؤصلة في أعماقهم كل الطيبة . نساء رائحة ثيابهن واحدة عابقة فيها لذة المعاناة وعرق الكدح. مشيتهن واحدة وفي العيون محنة دافقة، قفة خضار صغيرة يملأها القليل، ومصروف غالباً ماينفذ قبل الحوائج ، وسد العجز له متعةٌ أخري، وقفة علي حائط الجارة وحديث طويل عن مشوار السوق وما كفي وما نقص وما يحتاج إلى مدد. تأملت وامعنت النظر في الوجوه المتشابهة وقادني البصر إلى من لا شبيه له، الحسن ألفريد ...نورا قادمة من البوسطة، الثوب الأبيض والمشية الموسيقية، تحي الناس بدلال وابتسامة ممزوجة بخجل من النظرات المشدوهة، وكأنه لقائنا الأول . نظرت إلي وحيتني بيدها . رديت التحية بمثلها ، أحسست شيئاً غريباً في نظرتها، لا أدري أهي لمسة الحزن المعهودة أم خالطها شيءٌ جديد لم آنسه. خرج شربكوت يحمل لها الطعام وحياها كعادته " هلا نوارة الشجرة وست البنات " ابتسمت وشكرت شربكوت "شكراً يا عم عثمان " واستخرجت لسانها في ثاء عثمان كالعادة. وغادرت ولم تغادرها الأبصار وصبي شربكوت يحمل لها الطعام. لقد كانت لفتةٌ في لقائنا الأول مؤكدة للقاءٍ آخر والان سألت نفسي وهي تقترب من مزيرة دكان كبيل هل ستلتفت بنظرة؟. لأول مرة افقد فراستي واقف حائرٌ لا اتنبأ بشيءٍ وافسح المجال للاحداث لتقود نفسها. ودون أن تلتفت رفعت يدها وحركتها ببطء مشيرةٌ بالوداع ثلاث تحريكات ثم دخلت البوسطة. انتابني احساس غريب لا أدري أهو حزنٌ أم خوف أم تشاؤم.
ثم جاء المساء وامتلاء البيت بالمودعين وتوافد الصحاب ولاهل . ثم سمعت صوت علي سألته عن نورا فقال لي "نوار ما بتودع الناس قلبا رهيف ما بتتحمل الوداع ". ثم ناولني ظرف كبير منها. حضنني علي بقوة ودمع العينين وتمني لي العودة بالسلامة ثم امسكني من يدي وقادني بعيداً "وقال الدنيا ما مضمونة وانا بأمنك علي نوار إذا حصلت لي حاجة."
وضعت نورا في الظرف بعض الصور وكتاب في شكل فايل وظرف فاضي لخطاب قديم مردود عليه ختم بالانجليزي "عنوان خاطيء يرد للراسل" وشريط ( الوكر المهجور ) لعثمان حسين . فالصور كانت واحدة لابراهيم الشريف ويبدو أن الصورة قد التقطت خارج السودان حيث أن خلفية الصورة تظهر فيها أشجار شبيها باشجار الميبل المنتشرة في أمريكا، وصورة لنورا وهي طفلة بمريلة المدرسة المصرية وتبدو في منتهي البراءة والجمال نظرت لهذه الصورة وخطر ببالي ماسمعت عن طفولة نورا من قصص عن سنوات تفاؤل الناس بطلتها ومشوار الجناين وورد الياسمين من عم عبد الخير وجرة الجوكر لسليمان السخي وهتافه "حبيبتي ..حبيبتي أنا .. نوار كتلتكم كتلة يا وحوش لب".. وصورة اخري لها معها علي وكانت هذه الصورة معروفة لي ولكثير من الناس حيث أنها نفس الصورة المكبرة وموضوعة في بترينة أستديو إشراقة وتبدو في هذه الصورة في الخامسة عشر من عمرها وما اكسب هذه الصورة شعبية إلي جانب أنها صورة لنورا، هو وضع علي الذي يجلس خالفاً رجليه ونافخاً صدره ويمسك حنكه بيده اليسري مظهراً الساعة. وصورة أخيرة لعلي أمام بيت الشريف ويظهر في الخلفية جزء من حي الري وقطار عابر ومئذنة جامع الري وبوابه الري. أما الكتاب فهو أشبه بالبوم الصور واصابتني الدهشة والحيرة لما قرأت فيه. واضحاً أن إبرهيم الشريف هو كاتب هذا الكتاب الذي في تنظيم محتوياته أشبه بكتالوجات الأجهزة الالكترونية وحتي فهرس المصطلحات خصص له الصفحة الأخيرة. يتدرج الشريف بافكاره بصورة يبدو أنها مواكبة للنمو الفكري لنورا . وقسم الكتاب من فهمي المبديء له، إلى ثلاث أجزاء الجزء الأول يخاطب نورا الطفلة ويثبت لها مرتكزات هامة بصورة مبسطة ، فوضع الألوان الأساسية (الأحمر ، الأصفر ،والازرق) في الثلاثة صفحات الأولي ثم تلي ذلك برسومات أطفال للشمس وزهرة وعصفور في الصفحات التالية، ولا أعتقد أن اختياره لهذه الأشياء بصورة عشوائية. فلماذا اختار الألوان الأساسية هل لأنها أصل الالوان جميعاً ؟ وماذا تعني الشمس هل الأمل ؟ ولماذا يرمز بالزهرة والعصفور هل للحب والحرية. لم أصل لقناعة تامة بما يقصد لكن دون شك هناك رسائل موجهة إلي نورا . الجزء الثاني يخاطب نورا الصبية ويثقل من المرتكزات الأولي بادخال فلسفته التي يريد من نورا أن تدركها. فقرأت في هذا الجزء " انظري إلي نفسك وتأملي جمالك والآن اغمضي عينيك وابحثي في دواخلك عن جمال آخر ليس له أبعاد يتأصل في أشياء وجدانية... ثم تصبح فلسفة الكتاب معقدة في الجزء الأخير الذي يخاطب فيه نورا الفتاة الراشدة . وقرأت في هذا الجزء " سيسألونك من أي البلاد انتي ؟ وكيف جئت إلى هنا ؟ ومن أين لك هذا الجمال ؟ اشيري إلي الأرض واحتفظي بحق أن لا تتنازلي عن انسانيتك فعنفوان جمالك مكتسب من ادراكهم لشيء حسي تجسد في ملامح غريبة عليهم ،وعنفوان خوفهم عابق في أثقال أوهام تريد أن تحدد ملامح انسانيتك وتجعل لك انتماء إلي أشياء وهمية." . خلصت بدون أدني شك إلي أن الشريف كان يتوقع موته ونورا طفلة. فتدرج الكتاب يؤكد ذلك لكن فك شفرة رسالته يحتاج إلي قرأة متأنية . وتسألت هل تولصت نورا إلى خلاصة من هذا الكتاب العجيب؟ وهل وجدت اجابة لكل ما يثاورها من شكوك عن أصولها؟. وتسألت أيضاً لماذا تنازلت نورا عن هذا الكتاب هل لأنها أدركت محتواه أم تريد أن تفك الأرتباط عن الشريف .
لم انتبه إلي الظرف الذي عليه ختم "عنوان خاطيء يرد للراسل" بسبب تشوقي إلي قرأة كتاب الشريف، لكن الظرف يستحق الأهتمام واثار دهشتي فالخطاب إلي سيدة اسمها "دونا مكارثي " في السجن العمومي في مقاطعة واشنطون . وكتبت نورا علي ظهر الظرف لقد وجدت هذا الظرف في نصف كتاب قديم لأبي. الآن بات لي جلياً أن ابراهيم الشريف كان في أمريكا فرسالة نورا واضحة لقد وضعت صورة الشريف خارج السودان لتعلمني أن والدها عاش في أمريكا وكذلك وضعها للشرائط الغربية يوم عزومة الشاي كان لنفس السبب . وهل وضع صورتها وهي طفلة للبحث عن من يتعرف عليها. بدأت الأفكار تدور في رأسي بصورة جنونية سريعة .من هذه (دونا مكارثي) و هل نورا من أم أمريكية فموصفاتها تقترب من ذلك لون العيون القريب من الأزرق غريب علي اهلنا . وهذه الأنف الحادة ولون الشعر البني . لكن إن كان ذلك كذلك فلماذا خبأ الشريف عن نورا ولماذا وضعها تحت كل هذه الضعوط . دوامة من الأفكار والحيرة قطعتها سيدةٌ كبيرة تجلس بجواري " لا بدا من أن هذا الكتاب مشوق فمنذ أن اقلعت الطائرة من فرانكفورت لم تبارح عينك هذا الكتاب علي مدار السبعة ساعات وها نحن ندو من واشنطن... ومن هذه الطفلة الجميلة التي تنظر إلى صورتها تكراراً هل هي ابنتك " أشرت لها بلا. ثم واصلت لابدا أنها بنت أختك" وافقتها حتي أنهي الحوار واعود للتصفح والتفكير لكنها واصلت الحديث " لها عيون جميلة جداً هل لونها بني!" .. قلت لها " لا بين الأزرق والاخضر اندهشت وقالت واو "WOW"....
ألعم صديق عبد الرحيم هو نفسه صديق القولد الذي أنشد أسمه طلاب المرحلة الأولية في قصيدة الجغرافيا الشهيرة (في القولد التقيت بالصديق) . مع صديقٌ آخر هو صديق محمد أحمد يشكلان مرتكزاً لكل السودانيين في أمريكا عامةً وواشنطون علي وجه الخصوص. لقد كان قدومهما إلي بلاد العم سام كما يذكرونه يوم فوز جون كندي بالرئاسة الأمريكية في بداية الستينات . ومن خلال عملهما في سفارة السودان في واشنطن أختلط عندهما الكرم السوداني المعهود والاكثر فياضةً في بلاد الغربة مع الواجب الرسمي كموظفين للسفارة. صديق محمد أحمد من منطقة شيخ شريف التي لا تبعد كثيراً عن قولد الصديق وهو رجلٌ بشوش يحب الناس وكما يقول اهلنا "زول واجب ". في عمله رجلٌ في غاية النظام الأداري يحتفظ بكل عناوين الطلاب في أمريكا ويخصص فايل لكل طالب . ويرسل النشرات الدورية والاخبار الهامة عن السودان. وينبه بالاعياد الدينية والوطنية. يسكن في شقة معروفة لغالبية السودانين في تقاطع شارع 14 مع رود آيلاند في شمال غرب واشنطن. وتعتبر هذه الشقة ملتقي ومكان تجمع لكل السودانيين وخاصةً في عطلة نهاية الأسبوع حيث يكون الجمع كبيرٌ والجو سوداني بحت من طباخة الويكة والقراصة وسماع الأغاني السودانية وقرأة الصحف السودانية التي تأتي عن طريق السفارة . وكل قادم جديد لابدا له من الأقامة الجبرية في شقة صديق إلي أن ترتب الأمور واخذ كل الجرعات التعريفية المهمة لهذه البلاد والتحذير من المناطق الخطرة. عقب عودتي توجهت لزيارة صديق محمد أحمد في شقته وحتي أرفع تقرير العودة له الذي عادةً ما يكون حديث عن كل التغيرات في السودان من أسعار السلع إلي الوضع العام . بعد حديث طويل سألته عن ابرهيم الشريف وبعد أن أطلع علي صورته قال أنه يذكره جيداً فقد كان يدرس الهندسة في جامعة هاورد لكنه كان واحد من الطلاب المنعزلين ولا علاقة له بكثير من السودانين . انقطع اتصاله بالسفارة تماماً وحتي نثرياته كانت تردها السفارة إلي الخرطوم لتراكمها وعدم معرفة مكانه. أكد لي صديق أن عمر العباسية كان الوحيد الذي له به علاقة لفترة من الزمن. بعد البحث طويلاً عن عمر تبين لي أنه يتردد دوماً علي نادي كلمنجارو الليلي الذي معظم رواده من الافارقة والجاميكين وعشاق موسيقى الريقي ونساء يعشقن السود. ذهبت له في (عقر داره ) كلمنجارو وبعد انتظار طويل ظهر مع حاشيته مجموعة من البنات وشباب الليالي. بعد تبادل السلام والسؤال عن الحال قلت له أني أريد أن أقابله لأني أريد أن أسأله عن ابراهيم الشريف . وبمجرد سمع أسم الشريف صاح (damn) "اللعنة" وقال " اوع تقول لي الزول ده رجع تاني ..الزول ده أن هربتو عن طريق الحدود لكندا كان عندو مشكلة كبيرة يا راجل " أخبرته أنه قد توفي قبل زمن طويل. لم يتأسف كثيراً وقال " الدكاترة هنا كان قالو ليه عندو ضمور في حجم القلب " . سألته عن المشكلة التي دعت إلي تهريبه لكندا، قال لي " يا راجل دي كانت مشكلة علي نطاق الجرائد وتدخل فيها FBI (مكتب التحقيق الفدرالي ) مع واحدة اسمها دونا مكارثي . قلت لنفسي هذه دونا مكارثي تطل علينا مرة ثانية. ترددت علي عمر العباسية في مسكنه ورغم برنامجه المزدحم حكي وفصل وكان يحب أن يحكي في المطبخ فدوماً كان يطبخ ويمسك "قزازة" البيرة بيده اليسرى ويشرف علي "الحلة" بيده اليمني وعندما يضرب التلفون يضعه علي كتفه وتسمع " نعم يا حلوة .. حاضر حبيبتي ...اشوفك بكرة " وكان يفقد تسلسله بسباب المدخلات الكثيرة للتلفون .
ابراهيم الشريف شاب وجيه طويل أشبه بمارفن قي(Marvin Gaye) المغني الأمريكي الشهير جاء إلي أمريكا لدراسة الهندسة في جامعة هاورد التي غالبية طلابها من السود. سكن في الطابق الأرضي (بدروم) لمنزل ليس ببعيد عن الجامعة في تقاطع شارع 14 مع إوكليد في الشمال الغربي لواشنطون. شارع 14 هذا الشارع المميز يبداء بالقرب من حدائق البيت الأبيض ويمر مراكز الثقل السياسي في أمريكا حيث غالبية مكاتب اللوبي السياسي الأمريكي مع تقاطع كي "K" ثم يمر بالمراقص الليلية مع تقاطع "U" ثم يتحول الشارع لاكبر تجمع للعاهرات اللائي يتجمعن بدايةً من تقاطع إوكليد حيث مسكن الشريف ويتسكعن كاسياتٍ عارياتٍ في انتظار العربات التي تقف وترفع وتغادر . ويتفرقن بظهور عربة الشرطة أحياناً ويتظاهرن بأنهن من عشاق التجوال الليلي في شارع 14 بالملابس الخليعة. يجلس الشريف أحياناً أمام داره ويشاهد هذه المناظر الحية والنقل المباشر. دونا مكارثي عاهرة محترفة في شارع 14 اسمها التجاري( كنادي) كاندي وهو ما يعني الحلوي. بيضاء رغم أن معظم العاهرات هذا الشارع سود مما كان يسبب لها المشاكل في ساعة ذروة العمل ولمنافسة مع زميلات المهنة. تبدأ عملها اليومي من أمام دار الشريف واحياناً في انتظار الزبائن تحدث الشريف الذي يجلس علي عتبة داره. وكان أول تعارف له "ما اسمك يا عسل" ويجيب "شريف" تجيب " حلو..! من أين أنت لأن لك لكنة جميلة في الكلام " يجيب الشريف "أنا من السودان من السافانا الحارة " . تضحك " أنا أري ذلك ..ثم تسأل هل أنت متزوج " يرد الشريف "لا " تجيبه " جيد جداً.. ما تتعب نفسك الزواج مشاكل وقيود عندنا مثل هنا بيقول إذا كان ممكن تلقي اللبن مجان لماذا تشتري البقرة". يضحك الشريف تجيبه " عجب ذلك ". تطورت علاقة الشريف اليومية مع "كاندي " ويبدو السلام اليومي سلام معرفة والحديث حديث أصحاب . وفي ليلة شتوية ممطرة سمع الشريف جرس الباب وعندما فتحه وجد كاندي تبكي ويبدو عليها أثر الضرب تحمل كيس في يدها طلبت منه وترجتة أن تقضي الليلة معه لأنها لا تعرف إلي أين تذهب فلا صديق لها ولا أقارب ولا مال. أخبرته إنه قد تم طردها من سكنها لعدم دفع الأيجار و أن صاحبها ضربها كما يفعل دائماً وانه مدمن مخدرات يأخذ كل مالها وينفقه في الكوكاين. تردد الشريف وبعد أن وعدته أنها ستغادر قبل أن شروق الشمس ولن تسمح لصاحب المنزل الذي يسكن في الدور العلوي من رؤيتها. سمح لها وفي الصباح أستدانت منه خمسين دولار لأنها ستغادر إلي ميامي في ولاية فلوريدا حيث الجو الساخن وكثرة الزوار السواح وما يتوفر تبعاً لذلك طلباً عالي "لخدماتها ". لقد كان حلم دونا مكارثي "كاندي" هو التوسع في اعمالها وتكوين مكتب "اسكورت" وهو ما يعني وكالة لتقديم خدمات اجتماعية بتوفير فتاة أو شاب للمصاحبة ويكون الجنس هو السلعة الخفية الأساسية. وغالباً مثل هذه الوكالات لا تستمر طويلاً بسب رصد السلطات لها واثبات أنها تقدم خدمات دعارة وهو ما مخالف للقانون الذي يمنع تعاطي المال مقابل الجنس. قام الشريف بتوصيل "كاندي" إلي محطة بصات "قريهاوند" ووعدته برد المبلغ سريعاً وقالت له "أنت رجل جنتل " و غادرت .
توقفت أمامه عربة كاديلاك حمراء مكشوفة تقودها سيدةً بدأ عليها يسر وثراء . تقدمت نحوه وتخفي النظارة الشمسية كثير من ملامح وجهها الذي تؤكد كل المؤشرات جماله. تفاجأ الشريف عندما ابتسمت وسألته كيف حالك أيها ( السافانا الحارة ) وخلعت نظارتها الشمسية وازاحت شعرها الذهبي عن وجهها بهذة رأس نصف دائرية كشفت جمال ذلك الوجه. اندهش الشريف لرؤية كاندي مرة أخري وتعجب لما طرأ عليها من تحولات وتنعم دافق. سألها مداعباً :- يبدو أن ميامي كانت علي حسب توقعاتك مكان جيد لأسواقك. ضحكت واستخرجت ورقة فئة الخمسين دولار وقالت له :- تذكر هذه الورقة أنها نفس الورقة التي استدنتها منك، لقد جلبت لي كثيراً من الحظ. رد الشريف :- كنت أعتقد أنك ستدفعي منها تذكرة السفر وتعينك في الطريق بالهامبرقر وشرائح البطاطس. ضحكت وقالت :- لقد تكفل بكل ذلك رجل عجوز كان يقف خلفي في صف التذاكر، وجدته ينظر إلي قوامي بشراهة فاستخدمت حيلي مع الرجال ذو العيون الذائقة وتظاهرت أني فقدت مالي فتولي أمر التذكرة و الاعاشة في الطريق لكنه أتعبني بقصصه وبطولاته التي لا تنتهي وكلما يضحك كنت أغمض عيني خوفاً من أن تسقط أسنانه الصناعية. سألها الشريف هل أقمت معه في ميامي ردت بضحكة استنكار :-أنا !! أنت تعرف أحسن من ذلك أنا لا اذهب مع رجل يضع في فمه طاقم أسنان صناعية، عندما أري الأسنان الصناعية تأتيني الأحلام المخيفة . تحدثت كاندي طويلاً مع الشريف ثم أهدت الشريف ساعة رولكس وهي الساعة التي أهداها الشريف إلي علي لاحقاً وكتبت له اهداء ( في هذه الدنيا هنالك أناس تلقاهم سريعاً ولكن يتركوا أثر يظل خالد في نفسك شكراً علي الأبتسامة الحقيقية والمعاملة الجميلة ) . وردت ألدين إلي الشريف بظرف به مال كان كافي لحل كثير من الصعوبات المالية التي كانت تجابه من ايجارات متراكمة وفواتير كهرباء وغاز واستعاد الشريف خدمة التلفون إلي داره مرة أخري تركت كاندي رقم تلفونها وطلبت منه الأتصال عليها إذا احتاجها في أي شيء.
عادت دونا مكارثي (كاندي ) بعد ثلاث سنوات إلي نفس شارع 14 ولكن هذه المرة توجهت جنوباً إلي تقاطع (K) كي حيث مراكز المال و الثقل السياسي. افتتحت مكب اسكورت كما كانت تخطط. واستخدمت خبرتها الطويلة التي اكتسبتها من أسفل شارع 14. وجدت كاندي أنه لا فرق بين طلاب خدماتها في أعلي واسفل شارع 14 إلا في التخفي والتكتم . ففي العوالي رجال أعمال وسياسة ومناديب شركات وصناع قرار سياسي وشخصيات مجتمع . وفي أسفل الشارع أناس لا يكترس لهم أحد عند توقفهم بسيارة لعاهرة في الطريق. ودون شك المتكتمون يدفعون أكثر . اشتهر مكتب كاندي الذي اطلقت عليه أسم ( كاندي بوكس ) أو علبة الحلوي شهرة كبيرة في عشاق تلك الخدمات . وكانت حريصة شديدة في ناحية التكتكم والخصوصية. فكانت تستخدم أسماء مستعارة لعملائها وموظفيها ولا تحتفظ باي صور لموظفيها أو عملائها. فتأخذ الموصفات من العملاء وترسل الأسكورت الذي تراه يناسب تلك المواصفات . فكونت مجموعة كبيرة من العملاء الذين كانوا من مختلف قطاعات المجتمع. فتجد السياسي المرموق الذي يعشق النساء ويتظاهر في الصحف بأنه انسان محافظ وتقليدي ورجل أسرة. وتجد مدير الشركة الذي يسعي لاتمام صفقاته باي وسيلة ويستخدم في ذلك أحياناً خدمات اسكورت لتلطيف الجو حتي يحصل علي ذلك التوقيع. لندا روس(Linda Ross) أو الكبري ( The Bridge) كما يلقبونها في الكونجرس( نسبة لأن كل شي لا بدا أن يمر من خلالها) كانت من أهم عملاء كاندي السرين وكانت تتعامل مع كاندي من خلال سكرتيرتها التي تنظم نشاطها السري. لكنها كانت صعبة المزاج وصعب ارضائها فالمواصفات التي تطلبها لا تنطبق علي كثير من موظفيها وكلما بعثت لها اسكورت لا يروق لها . فكرت كاندي في الشريف و ترددت كثيراً في طرح الأمر عليه ولكن بعد تردد عرضت الأمر علي الشريف الزي كان قد أكمل دراسة الهندسة ولا يحق له العمل حيث أنه يفترض بعد أكمال دراسته مغادرة أمريكا وكان يعمل بائع في طلمبة بنزين بمبلغ نقدي قليل بصورة غير قانونية. أقنعت كاندي الشريف للذهاب إلي لندا روس و أن الامر هو لليلة واحدة فقط وأنها أمرأة ذات نفوذ ويمكن أن تساعده في الأقامة قانونياً في أمريكا. اختارت كاندي لقب ( السافنا الحارة ) للشريف الذي انجرف في نشاط كاندي ووجد عائد مالي كبير وسهل واصبح المرغوب الأول لعملائها فالكل يلهث خلف السافانا الحارة وزادت عائدات كاندي وزاد اهتمامها بالشريف الذي خصصت له معاملة مميزة فاهتمت بمظهره فاصبح يرتدي البدل الغالية واعتنت بلياقته البدنية فاشركتة في أغلي المجمعات الرياضية . وغادر الشريف شارع 14 مع إوكليد إلي شقة جميلة في عمارة في مدينة روسلين المتاخمة لواشنطن والمطلة علي نهر البتومك الذي يفصل واشنطن عن ولاية فرجينيا.
فتحت صندوق البريد وكانت مفاجأة سعيدة أن أجد خطاب من السودان. فتحته علي عجل وتشوق وكان الخطاب من علي "الدرويش" . وجدت صعوبة في قرأته لسوء الخط ولكن معاودة القرأة مرات عديدة كما هو الحال مع كل الخطابات القادمة من السودان مكنني من تخطي هذه الصعوبة. قرأته مرات ومرات وفي كل مرة يزداد شوقي للشجرة الجميلة. وكتب :-
بعد السلام عليكم ورحمة الله . إن شاء الله تكون بخير وصحة جيدة كما نحن الحمد لله لا ينقصنا شيء سواء (عدم) مشاهدتك الغالية . والله مشتاقين ليك كتير ودايماً أنا ونوار نتذكرك طوالي. وهسة نوار كان عايزة تكتب الجواب ده قالت لي عشان خطي شين . لكن أنا أبيت عشان هي قعد تغير كلامي البقولو ليها ، وقلت ليها انك بتقدر تقرا كلامي ما دام بتقرا كلام الخواجات الصعب ده. لكن خليتا تكب العنوان بالانجليزي فوق الظرف ، الأنجليزي ما بكضب ما بعرفو طبعاً أنا كت سبتا المدرسة من تالتة أولية، وما كت زول قراية لكن الحمد لله قرايت الخلوة نفعتي وحفظت ربع من القران . إذا سألت عن الشجرة الناس كلهم نصاح مافي زول عيان الحمد الله، ولا في زول مات، إلا الاعراس كتيرة جاية بعد العيد الكبير، في كل حلة تسمع البنات يغنو. وبعدين البعوضة عذبتنا اليومين ديل منفكي فوق البلد كلها. البحر كمان زاد شديد، الموية وصلت سور الحديد البره. صاحبك عثمان كمان كان أول أمس معانا، والله وكت غنا يا زول أتذكرناك إلا بس بقي يشرب كتير حتي بالنهار بقت تلقا شارب ، و أنا خايف الشراب يازا وهو ما قعد ياكل مع الشراب، ياهو أكلن تعبان ربنا يهدي والله زول طيب ما فيهو كلام وراجل جد. وبعدين بالله ما تنسي المسجل الطلبتو منك أهم حاجة يكون بيقلب الشريط براه ، وكمان بنطلون جنز زي بتاع الكابويات جيبين من ورا برا. بس أكان ظروفك كعبة خلو لما حالك يكون كويس. يبقي الحاجات دي غالية. وكمان نسيت أقول ليك يوم الجمعة يا زول عملت ليك اهداء في ما يطلبو المستمعين وكت زاعو يطلب الغنية علي عبد الله من الشجرة ويهديها إلي نوار ولاهل عامة بالشجرة والفتيحاب وذاعو اسمك ناس السوق يا زول فرحو شديد بس ما جابوا الأغنية الأنا طلبتها جابوا أغنية ابو عبيدة حسن (يا عقد الجواهر) أنا كنت طالب (لمتين لمتين) بتاعت عثمان حسين عشان نوار قعد تحبها كتير . عبد الرؤوف قال لي الاسبوع الجاي يخلي ناس ما يطلبو المستمعين يجيبوها وكمان عشان غلطتم دي قال لي حيخليهم يجيبو كمان يانسيت أيامنا لعثمان الشفيع . والله عبد الرووف ما قعد يقصر كلما أمشي ليهو نادي الحماداب أدي كبون ما يطلبو المستمعين يشيلو طوالي ويراجع معاي الأسما, لكن أنا أصلي أهدايي واحد هو عارفو نوار ولاهل بالشجرة والفتيحاب ومرة مرة أدخل أسم زول وكت يكون في زول عيان أو زول عرس ولا زول مرتو ولدت. الناس قعدت تفرح لما تهديها أغنية في الرادي. ونسيت أقول ليك يا زول الجامع وصلو مواسير فوق الأزيار والله ريحوني جنس راحة من ملي الأزيار بقيت بعد صلاة العشا أفتح الحنفية لما الزير يملا أكون لفيت البروش ودخلتهم ومن هناك جري علي صدقي اشيل لي باسطة للشاي مع نوار لما تشوفني وصلت بوابة الري تطلعوا بره ونقعد نشرب ونتونس لي نص الليل مرات الأذاعة تنتهي ونحنا قاعدين. بس الشجرة ما بليل سمحة . وبعدين مرسي عامل معاي اليومين ديل مشكلة تاني نكر الطرادة الدفعتها ليهو أنا كان عندي شاهد بس نسيتو لكن حتذكرو. . في الختام أقبل سلام نوار وناس الشجرة كلهم بدون فرز وناس السوق شربكوت وحسين وعم مصطفي شحاتةوعلي بتاع الخضار وعمك ناصر وعم عتيق وعم كبيل وأبوك كمان طيب اليوم داك ردمت ليهو حوش الطابونة والله. وبلغ سلامنا لكل الناس المعاك وما تطول بالله عشان قعد نشتاق ليك . أخوك علي عبد الله . لقد أعاد إلي الخطاب تيارات الحنين والشوق إلي أرض الأحبة . وسالت الدموع دون حياء. استلقيت علي الأرض أمام المسجل وضعت أبو عفان لينحر القلب المجروح. فالروح قد فاضت شجن . وكلماته تلامس مكان الجرح واغمضت عيني مع الطير المرتحل ..لاعبر بحر ابحث عن الدار الوريقة ابحث عن الوطن . لكن الخطي قد ضلت طريقة.
وصلت كاندي "دونا مكارثي " إلي مبني الكورت هاوس للادلاء بشهادتها أمام المحقق الخاص المكلف من وزارة العدل في التحقيق في التهم الموجهة إلي "لندا روس" المرأة ذات النفوذ القوي في الكونجرس والتي تواجه تهم استغلال المكتب العام ، الفساد الأداري ، تقديم امتيازات خاصة مقابل معاملات ، استخدام عاهر ، واخفاء أدلة وتهديد الشهود. تعالت أصوات الصحفين المخيمين لتغطية هذه التحقيقات لأيام بالاسئلة لكاندي وهي في طريقها إلي داخل المبني .." كاندي من هو (السافانا الحارة )؟.." "كاندي هل ستخبري المحقق الخاص (بالسافانا الحارة) " "كاندي هل أرسلتي (السافانا الحارة) إلي لندا روس مقابل المال "كاندي هل (السافانا الحارة) كان يستغل شقتك في "روسلين" وهل انتي علي اتصال به". ابتسمت كاندي للصحفين والمراسلين ولم تجيب علي اسئلتهم ومرت وسط زحامهم إلي داخل المبني. لقد كانت استراتجية المحقق الخاص هو توجيه أدلة قوية ضد "كاندي" وتهديدها بالسجن لسنوات طوال ومن هذه الأدلة تهربها من دفع الضرائب الخاصة باعمالها .استخدام اعترافات بعض موظفيها ضدها بانها كانت تدير أعمال دعارة تحت ستار خدمات اسكورت ثم وضعها أمام مخرج واحد وهو الشهادة ضد لندا روس وكشف هوية (السافانا الحارة) التي يريد المحقق الخاص استخدمها كدليل بأن لندا روس استخدمت عاهر. وتوجيه ضربة ضدها تأتي بنهايتها. استمر التحقيق مع كاندي لساعات طوال مارس المحقق الخاص كل أساليب الترهيب والتخويف والفنون السيكولوجية حتي يحصل علي معلومات تكشف شخصية(السافانا الحارة) لكن كاندي فاجأته بعدم رغبتها في كشف هوية (السافانا الحارة) وقبولها بكل العواقب التي بكل تأكيد ستشمل السجن لسنوات، الشيء الذي دفع المحق علي فتح بلاغ ضدها بتهم التهرب من الضرائب ، أدارة دعارة واخفاء أدلة وتم حبسها لساعات ثم خرجت بكفالة مالية لحين محاكمتها.
دخل ابراهيم الشريف مستشفي جورج واشنطن بالام في الصدر أثناء التصعيد في التحقيقات علي لندا روس وتبين للاطباء أنه يعاني من مشكلة ضمور في حجم القلب وان الراجح أن قلبه سيفشل يوماً ما. وتابع من المستشفي تردد أسمه المستعار علي أجهزة الأعلام والبحث عنه .
طلبت كاندي من ابراهيم الشريف الهروب من أمريكا حيث أن وقع في منتصف صراع القوي السياسية وقالت له بنبرة بدأ فيها الحزم والجدية " لا بدا أن تغادر أمريكا أنا أعني ما أقول لك سيقتلونك إن لم تفعل .. هذا صراع كبير أنت ليس بمقدورك استيعابه أنهم يريدين الحصول علي أغلبية الكونجرس والاطاحة" بلندا روس " وانت لا تعلم ماذا تعني أغلبية الكونجرس ... تعني الاعمال الكبري "Big Businesses" تعني الصراع حول الاجهاض الصراع حول سياسة أمريكا الداخلية تعني تعني حاجات كثيرة ..وطلبت منه المغادرة فوراً وحذرته من الذهاب إلي شقة روسلين حيث أنها مراقبة.
خرج الشريف من المستشفي ولم يكن أمامه إلي الذهاب إلي عمر العباسية وطلب من عمر مساعدته في الهروب من أمريكا عن طريق كندا . استعان عمر بسيدات من نادي كلمنجارو الليلي في انجاز المهمة وتحرك الجمع بسيارة في اتجاه مدينة بافلو الحدودية مع كندا وعند وصولهم علي نقطة سلطات الهجرة الكندية سألهم الموظف الذي يجلس في كشك تمر أمامه السيارات "إلي أين أنتم ذاهبون سيداتي سادتي " ردت صديقة عمر نحن في اتجاهنا إلي شلالات نياجرا لقضاء بعض الوقت الجميل " سأل الموظف هل أنتم امريكان ونظر إلي عمر والشريف وكأنه يريد أن يسمع صوتهما ، رد عمر الذي كان يجيد لكنة الأمريكان السود في الحديث لدرجة الابداع " بكل تأكيد سيدي" ثم سأل عمر الموظف "كيف النساء في الشلالات أنا أريد أن أري بعض النساء الجميلات هل تقترح لنا مكان للذهاب " ضحك الموظف وقال له أنا لست خبيراً في النساء وتمني لهم اقامة طيبة .

غادر الشريف كندا ورجع عمر العباسية ورفيقاته إلي واشنطن . كتبت كاندي للشريف خطاب قبل مغادرته واشنطن أخبرته أنها قد اصيبت بمرض فيروسي غريب ويبدو أن أيام حياتها باتت مرقمة وانها ستقضي فترة السجن المرجح دخوله في هدوء وتفكير وتأمل حتي موتها . قالت " اكتب لك وهاهي حياتي الغريبة تبدو قد أوشكت علي الأنتهاء، لقد وجدت نفسي في الطرقات وانا في الثالثة عشر من عمري بعد أن حول زوج أمي حياتي إلي جحيمٌ لا يطاق، افتقدت الحنان وعشت الضياع والخوف والجوع ، وكان المأوي يمتلكه رجالٌ كالذئاب، استغلوا جمالي وتبادلوني وكأني سلعة وتباهوا بصغر سني . وها أنا أشعر بنفاقي وانا اقوم بنفس الشيء معك وما يحزنني أنك الأنسان الوحيد الذي عاملني بكل طيبة وبدون أي مقابل أرجو أن تسامحني وتغفر لي وانا أعلم أن لك قلب طيب أتمني أن تواصلني بالكتابة علي عنواني البريدي وسأقوم بتحويله علي عنوان السجن فور دخولي له ، فأن رجع لك خطاب ارسلته لي لعدم استلامه فأعلم أن قد فارقت الحياة وادعو لي وتذكرني ." لم تكن كاندي تعلم أن الشريف نفسه في معضلة صحية بسبب ضمور القلب وترجيح الأطباء أن نهايته وشيكة . أحس الشريف بشيء من الحزن وتعجب كيف تماثل المصير بينهما ، وهاهو يعود للسودان يحمل شهادة في الهندسة الميكانيكية لم تعد تعني له الكثير بعد أن أصبحت نظرته للحياة تأخذ أبعاد لا تعرف الأشياء المادية. لم يكن يدري كثيراً عن حال السودان وحال الأسرة الصغيرة لكن دون شك يريد مكاناً يقضي فيه أيام العمر المتبقية في هدوء .
دخلت عربة التاكسي من شارع عمومي إلي شارع فرعي كانت علامته أمية الكهرباء المجاورة محلات باتا الشهيرة . جري كلب نابحاً يطارد التاكسي ثم توقف بعد أن أدرك بعده عن حدود قواعده . توقف التاكسي في منتصف ملعب بعض الصبية الذين كانوا يلعبون لعبة "الكمبلت" وكانت فرصة راحة لهم . نظر الشريف إلي الدار الذي هرمت جدرانه ولم يستعجل للنزول، ثم قاده النظر إلي تلك اللافتة المعهودة والتي أصبحت باهتة الكتابة "فاطمة الشريف قابلة قانونية مستشفي الراهبات ". نظر له سائق التاكسي ولم يستعجله واخفي حيرةً في نفسه لراكبه الغريب. تحرك عم عثمان صاحب الدكان المجاور نحو العربة الغريبة، ألقي السلام وانحي لينظر إلي داخل العربة وكانت دهشته عظيمة " يا حول الله إبراهيم حمد لله علي السلامة يا زول .. ثم جري إلي داخل الدار " يا فاطمة ... يا فاطمة البشارة البشارة إبراهيم رجع"، خرجت فاطمة تجري وعلي يديها رغوة صابون لم تجد وقتاً لتجفيفه من هول المفاجأة وبكت وهي تحتضنه "ما كنت قايلاك بترجع تاني .."
فاطمة الشريف درست التوليد في معهد القابلات عطبرة وكانت ضمن الدفعة التي أشرف علي تدريسها اساتذة انجليز من الأمم المتحدة . جميلة وقوام جميل متوسط الطول ،سمراء اللون ، لطيفة في تعاملها، ذكية وابهر ذكائها اساتذتها الذين كانوا يطلقون عليها "مسسذ شريف حتي عرضوا عليها العمل معهم في الوحدة الميدانية التابعة لمجابهة الكوارث والطواريء في الأمم المتحدة . رفض والدها العرض بحجة " ما عندنا بت بسافر برة من غير راجل ". عملت بعد التخرج في مستشفيات حكومية عديدة ثم آخر عملها كان في مستشفي الراهبات الخرطوم . قامت بدور الأم بعد وفاة أمها واشرفت علي تربية أخيها الذي يصغرها بكثير إبراهيم وبعد نزول الوالد الذي كان يعمل في مكتب الري المصري عطبرة للمعاش هاجرت الأسرة إلي الخرطوم بحري. لقد كان الوالد الذي توفي قبل سنوات عنيفاً مع إبراهيم ولا يروق له أي شيء يقوم به ولم يكن موافقاً علي سفر إبراهيم لأمريكا واحجم عن مساعدته ودعمه . قامت فاطمة بمساعدة ابراهيم بعد الحاح شديد منه وكانت خائفة أن لا يعود مرة أخري للسودان بسب معاملة والدهما له . تعرفت علي زوجها أحمد رابح من قبيلة الرشايدة أثناء عملها في مستشفي الخرطوم والذي كان يعمل تاجر تهريب في البحر الأحمر . لقد كانت هي زوجته الثانية وكان يأتيها في العام مرتين ويمكث في الزيارة قرابة الشهر . انجبت منه ابنتها الوحيدة ليلي والتي كانت في غاية الجمال تشبه أبيها كثيراً واخذت ملامح الرشايدة في العيون ولون البشرة والشعر الحريري، وكان قوامها قوام فاطمة المتين الممرحل . لم تسمع من زوجها لسنوات وعلمت لاحقاً موتة في انقلاب مركب تهريب في البحر الأحمر . مارست فاطمة مهنة التوليد في الحي والاحياء المجاورة واشتهرت براعتها في التوليد في أنحاء الخرطوم المختلفة . ومارست أيضاً ختان البنات بكل أنواعه فرعوني وما أسموه "سني" ونوع آخر كان مصدر لكثير من المال وهو أعادة الختان لفتيات متلاعبات يرغبن في عذرية صناعية لرجل "قاصد عرس " . واشتهرت في أوساط المتلاعبات بفاطمة "تشطيب".لقد كانت حادثة " التتنوس " الشهيرة والتي راحة ضحيتها ثلاثة فتيات يستعدن لزواج محطمة لاسرة فاطمة . فشاع في الخرطوم أن نوع من دخان الطلح " الذي يستخدم لتجهيز العروس سام وان ثلاثة فتيات قد تسممن في مرحلة "الدخان " ولكن طبيب صادف أن تمر به الثلاث حالات حول الموضوع إلي الشرطة . وجاء تقرير الطبيب الجنائي أن سبب الوفاة حالة تسمم "تتنوس " بسبب ختان حديث بادوات غير معقمة طبياً. توصلت الشرطة بعد التحقيقات إلي فاطمة "تشطيب " وتم حبسها لمدة شهر وافرج عنها بعد اتضح لهم أنه لا يوجود قانون مانع لما قامت فاطمة به فالعرف السائد أن ختان البنات مسموح به ولم يجدوا في العرف تفاصيل تحدد العمر أو القرض من الختان نفسه . وكان فراغاً قانونياً وتم شطب البلاغ وسحب القاضي رخصتها في التوليد ومنعها من ممارسة أي نوع من الختان . عادت فاطمة لتجد ابنتها الوحيدة قد تم طلاقها وهجرها وهي حامل و أن زوج ابنتها قد شكك فيها وأنه ربما تم خداعة أيضاً بعذرية صناعية. دخلت ليلي البنت الجميلة في حالة نفسية ثم وضعت بنت أخذت منها كل جمالها وما ضاعف، سمتها أمها نورا ثم انطفأ نور الأم .
خرج علي من جامع الري ولاحظ طلاب المدرسة الأبتدائية في مجموعات, يجوب بعضهم حول الجامع وبعضهم في ميدان الكرة وآخرين توقفوا وعليهم حيرة . سألهم " أنت يا أولاد مالكم الحاصل شنو في المدرسة " رد احدهم نحنا بنفتش في الكنز بالخريطة " رد علي " كنز شنو اوع يكون ده الشي الدفنو أستاذ فاروق في ركن مدرسة البنات " سمع التلاميذ ما قال علي وتسابقوا جميعاً نحو ركن مدرسة البنات، اندهش علي لرد فعل التلاميذ . ذهب علي نحو البوابة وجلس جوار رجل غريب يجلس في الحائط الصغير الموازي لسكة الحديد حدثه علي وكأنه ليس بغريب عليه . أخرج علي من جيبه راديو صغير وازال الرباط المطاطي الذي يساعد علي تماسكه. انتزع حجارة البطارية وقام بعضها باسنانه حتي يعصرهم عصراً جيداً وجليسه الغريب يراقبه في حيرة، ثم أعاد الحجارة إلي مكانها وفتح الراديو ثم ضبط الموجة وعلته ابتسامة رضاء لتمكنه من الحصول علي آخر طاقة ممكنة من الحجارة المعدمة . ثم التفت إلي جليسه " والله ايفر ردي أبو كديس مافي زيها .. هسة بتصدق الحجارة دي أنا اشتريتا أول امبارح ... صينية تقليد" ثم واصل " لكن أنا البكمل الحجار نسيان الرادي فاتح للصباح ." توقفت الدراجة الحكومية امام علي وجليسه واخرج محي ألدين مجموعة الخطابات التي سيقوم بتوصيلها إلي اصحابها وسأل علي عن أسم لم يعرفه وبعد تفكر وتساؤل لم يتمكن علي من معرفة الشخص ولكن وعد محي ألدين بعد أن حفظ الأسم أنه سيجوب الأحياء لمعرفة صاحب الخطاب . ظهر العم علي العوض من علي البعد علي دراجته وعندما رأه "علي " تسأل " عم علي العوض ما بيطلع زي الوكت ده من الشفخانة إلا يا في زول عيان شديد أو في طهور ..لكن طهور ما يفكو ليه راكوبة ولا يردمو ليهو بيت ما سمعنا بيهو ..قطع شك في زول عيان ربنا يستر " . نزل عم علي العوض عن الدراجة عند البوابة وسلمها لعلي الذي كان في انتظاره وقام بتعديتها سكة الحديد لعلوها عن الرصيف في منطقة البوابة بعد أن حياه، استلم عم علي العوض الدراجة ثم وصل رحلته. عاد علي لجليسه متحدثاً " والله دكتور علي العوض الشطارة مكملا .. والله أنا كان عندي الرعاف أحوم في الشمش، شو نخريني يجرو دم، أها مشيت ليهو اداني حبوب دقاق لونا بني قال لي أبلعا تلاتة مرات في اليوم . والله من ما خلصتهم شمش الساعة اتنين تكون ضاربة فوق راسي ده نقط دم ما بنتزل. وايه رايك أنا كنت ملخبط في التلاتة مرات القالة. يا زول الله يديهو العافية ".سأل علي جليسه - "اسمك منو" -رد عليه" ابراهيم الشريف" - شغال في السكة حديد شكلك من قعدتك جنب البوابة ! - لا أنا حأشتغل في الري أنت شغال شنو؟ - أنا والله يا زول ما عندي شغلانة معينة لكن بدخل الصباح السوق بعد ما اسأل حاج حاكم دعوة بعد صلاة الصبح وربك رب الخير يسهلا مرات تجيني شغلانة بهية، مرات تجيني ردمية، مرات أفك لي راكوبة ومرات يصادف أسبوع ما ألاقي شغلانة . -ساكن وين؟ -أنا أصلاً من الفتيحاب والسكن ده ما خطت راس! محل ما ألقي نفسي بنوم مرات في بيت ناس الياس مرات قدام بيت علي نصر ومرات في الحماداب عند ناس الخير . ليه خليت الفتيحاب؟ - الشجرة والله زي الفتيحاب واحد ناس زي الأهل وكل يوم جمعة أنا بمشي الفتيحاب لكن حقيقة الشجرة ما بتنفات قدر ما أمشي حتة أقول بتين ارجع الشجرة . -متزوج أنت؟ -عليك الله دي منو المجنونة البترضا بي دي أنا ما زول عرس . قبل كده كان دايرين يعرسو لي في الفتيحاب اها بعد ما أولاد عمي واخوي أتكلمو وابو العروس شكلو كان موافق قمت وقفت في نصهم وقلت ليهم يا جماعة الواضح ما في زيو، أنا بعرس لكن البت تكون قاعدة في بيت أبوها وكت ما اجيها اجيها. يازول العوة ضربت أبو العروس قال ليهم جايبين لي زول ما قادر علي حلة الملاح، أخوي زعل من كلامو وقرب يضاربو لكن بعد ما طلعنا كلهم ماتو بالضحك من كلامي . يا زول الكضب ما بينفع في الحاجات دي . ضحك ابراهيم وتوجه إلي محطة البص بعد أن شكر علي علي عزومتة علي الفطور في مطعم شربكوت علي شرط أن ينتظره يقوم ببعض أعمال النظافة لشربكوت لنسبة لضيق ذات اليد .عاد الشريف ولاحظت فاطمة إبتسامة لم تلاحظها في وجه الشريف منذ عودته من أمريكا ، قال لها الشجرة دون شك. أصر الشريف علي العمل عامل ميكانيكي بدلاً عن فاطمة التي ذهبت إلي صفوت المهندس الذي عمل معه الشريف ألاب لسنوات طالبة المساعدة بعد أن طالبها الورثاء اخلاء الدار . وعرض عليها العمل في الري المصري وخيرت بين الشجرة والمقرن .
صفر هذا القطار المغادر عند وصوله لافتة "صفر" عند مشارف الشجرة ثم تعالي صوته ونفخ وزفر وشهق ثم أخذت سرعته في التناقص إلي أن توقف تماماً عند البوابة وصفر صفارةً طويلة . أدرك الركاب أن قطارهم قد أصابه عطل ونزلوا عنه وتسابقوا إلي داخل الجامع واصطفوا أمام الأزيار والحمامات . جلس علي ونورا عند الشجرة الكبيرة القريبة من الدار. علي يتحدث ونورا تسمع وتشاركه كما اعتادت بهذة رأس تشير إلي حسن المتابعة . نظرت نورا إلي كل شيءٌ حولها ، شعرت بأنها غريبة ووحيدة في بلدة كانت هي روحها الجميلة . اختلطت عليها الأفكار واحست بعمق الأنتماء وفداحة الانعزال ، لم تفهم كيف كل شيء حمل التناقض ، وانين القطار حرك الشجن العميق ، أغراب في هذه الدنيا ، أيادي تشير بالوداع والترحيب ، ورود ياسمين ومحبة عميقة وخوفٌ طغي واحاط بكل جميل . أصوات واصوات تثاور الأفكار "نورا ما لاقنها يا ناس " يا بت يا نوار تعالي جري لي الجوكر " ..."أهلاً ست البنات نوارة الشجرة ".. اساتذة في المدرسة المصرية "بت يا نورا يا تمر حنة " .. جدران حملت "أحب نورا " وباصات في الطرقات عليها في الخلفية "نورا " و "شجراوية". كيف كان الحب له حدود .. كيف عكر الوهم نقاء الأحاسيس نظرت نورا إلي علي وسالت دمعة سالت معها دمعة علي وقالت . - علي أنت لازم ترجع الفتيحاب أنا مسافرة بعيد أنا خلاص لازم ارحل ..نهض علي منزعجاً -مسافرة وين يا نوار أنا بمشي معاك - علي أنت لازم تعيس حايتك وتسيبني..أنت حتضيع معاي..وانت السبب أني ما قادرة أعمل حاجة أي حاجة ... - ما تقولي كدة يا نوار أنا و الله عايش أحسن عيشة تحركت نورا نحو القطار وعلي يتبعها ويحاجج . صفر القطار ثم صفر منذراً ركابه أن أوشك الرحيل . وقف علي أمام ن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الوهاب احمد
الرئيس الفخري
الرئيس الفخري
عبد الوهاب احمد


الجنس : ذكر الاسم كامل : عبد الوهاب احمد عبده سليمان

استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   Empty
مُساهمةموضوع: رد: استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي    استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   I_icon_minitimeالخميس 14 يونيو 2012, 5:59 pm


طبعا يا شباب كان المفروض هذه الرائعة تنزل كاملة لكن للاسف ؟ بقدر ما حاولت لم استطع لان القصة طويلة ورائعة ... كل ما عليكم بعد ده ان تقوموا بنسخها فى صفحة الورد وتنسيقها بالطريقة التى تناسبكم وطباعتها وتغليفها بصورة جميلة لتصبح قصة كاملة .. يمكن اهدائها لمن تحب من أبناء الشجرة ... وبذلك يكون كل منا يملك نسخة رائعة من ابداع الاخ العزيز الواثق عبد الباسط .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابراهيم العمده
الحضور المتميز
الحضور المتميز
ابراهيم العمده


الجنس : ذكر الاسم كامل : إبراهيم عثمان محمد عبد الحميد

الاوسمة
 :


استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   Empty
مُساهمةموضوع: رد: استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي    استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي   I_icon_minitimeالسبت 16 يونيو 2012, 2:31 am

...
الأخ عبد الوهاب
متعك الله بالصحة والعافية
كما أمتعتنا بهذا النقل الجميل
والشكر موصول للأخ الواثق
صاحب الأنامل المرهفة والقلب الكبير
...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
استجابة لمعجبى نوارة الشجرة من صفحتي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نوارة الشجرة ____//_____بين الخيال والواقع
» لتكوين للجنة منتدي الشجرة والحماداب بمدينة الشجرة
» سوق الشجرة
» من هو أذكى الطالب أم الأستاذ؟!!!!
» هلا بي نوارة المنتدي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشجرة والحماداب :: سوق الشجرة-
انتقل الى: