ameen altaher derar شجرابي
الجنس : الاسم كامل : امين الطاهر درار
| موضوع: قصه السر والعوض 5 الأحد 29 يوليو 2012, 8:34 am | |
| 5ـ إلى أمبدة
ودعته وصعدت إلى داخل البص وأنا في حيرة من أمري. فماذا أملك؟.. إذا عرض لك أحدهم أن يحل لك بعضاً من مشكلة فدعه ليساعدك إلى أن يتبين لك أنه عاجز أو غير جدير بالثقة, لأن الذين يقدمون مثل هذه العروض بالمساعدة, قد قلّوا في هذا الزمان الذي كثر فيه الخداع وانعدمت فيه المروءة والشهامة!. وأثناء المسير كان البص لا يتوقف كثيراً كما كان يفعل ذلك الذي قدمنا به في طريق عودتنا من عم عبد الواحد, ولا يوجد به جهاز تسجيل ولا حتى جهاز راديو..! كانت رحلة صامتة إلا أنها برغم ذلك فقد أعطت العنان لخيالي ليسرح بي فوق قمم الأحلام الشبابية, فتارة يحلق بي هائماً في أعلى روابي الأطماع المالية, ثم لا يلبث أن يحط بي أخرى في وهاد الإفلاس والفقر, ويخوفني من الوقوع في مستنقع الفاقة, الذي كم إبتلع من الشباب دون ما يفرق بين الطموح منهم وبين اليائس. فكم ذبلت من أزاهير تفتحت في نعيم الغنى والترف..! وكم تفتحت رياحين فاح عبقها بعدما قتلها عفن الفقر, وأجتثها زلزال الحاجة!. وهل يمضي على الفرد يوماً ما ولا يرى فيه مثل ذلك الذي رسمه خيالي هذا أو حتى يسمع بشيء يقاربه أو يشبهه!. نعم ساقتني أقدامي إلى (كرش الفيل) هذه يدفعني الطمع للعثور على منفذ يخلصني من قيود "العطالة" ويطهرني من عار الفقر وذل الحاجة. كادت أماني السراب وأحلام اليقظة أن تقطعني, حينما كانت تشعل في مخيلتي نيران الأمل و(لَهَالِيب) الشوق إلى ذلك البشر الأسطورة, الذي وعدني طيفه بأن يمنحني أجنحة أطير بها إلى تلك البلاد الغريبة لعلني ألحق بمواسم جمع مادة الحياة الكبرى: المال... وأخبرني ذلك الطيف بأن لجمع المال في بلاد الله مواقيت ومواسم!.. تماماً كما أن لجسم الآدمي فيما يخص عطاءه وقوته مواسم مرتبطة بالأعمار والجنس!. ولكي تحقق أمانيك ومطامعك لابد لك أن تلحق بجميع تلك المواسم في كل بلاد الدنيا على أن تُحَصِّل كل موسم وتصل إليه في موعده الذي يخصمه وفي أرضه التي تخصه!... ولن يتسنى لك ذلك دون هذه الهدية البسيطة التي أقدمها لشخصك المهيب ... فجأة ودون سابق إنذار إنتبهت من تلك "السَّرْحة" منزعجاً, بسبب توقف البص وبلا مقدمات وبصورة مفاجئة, بعد أن كان مسرعاً في سيره, وأثناء ذلك سمعت صوتاً يصطدم بقوة بمقدمة البص ثم يقع أرضاً, ورأيت (السواق) يفتح بابه وينزل ليمسح الدم الكثير الذي كان عالق بالزجاج الأمامي لكابينة القيادة. إنزعجت لهذا الأمر وظننت أنه حادث مروع أودى بحياة إنسان مسكين فصحت بجاري الذي يجلس بجانبي: - السواق صدم ليهو زول ولا شنو؟!!. ضحك الشخص الذي بجواري ... - لالا يا زول.. دي حِدَيَّة كانت ساكَّالا طيرة صغيرة زاغت منها الطيرة جات داقَّة قزاز العربية..! - الحمد لله البقى صقر ولا حديّة ما بقي بني آدم! وقد إحترت لهذا الحدث وطريقة تزامنه مع وحي خيالي الغريب ذلك!. وعندما توقف بنا البص في المحطة الوسطى أم درمان, كان صوت آذان المغرب ينبري عالياً معلناً عن إنقضاء يوم على بلدة الزحام والتنافس تلك, ومحذراً من مقدم ليلة لا أحد يعلم ما تخبئه من المفاجآت والشرور التي إعتاد عليها مواطنوها خصوصاً أولئك الذي يقطنون الأطراف .... أم درمان أعلم جيداً أنها مدينة حنينة – أيها القارئ الحبيب – إلا أنني لا أستطيع أن أخبئ عليك سر أنها في ذات الوقت مدينة غامضة ومتقلبة لا يمكنها أن تثبت على حال. فمثلاً إذا زرتها الآن ووجدتها على حال.. ثم تركتها وعدت إليها في العام الذي يليه ستجدها سريعاً قد تغيرت إلى حال آخر غير ذلك الذي تركتها عليه في العام السابق! أما إذا سألتني عن السر في ذلك فلا أملك أن أقول لك إلا كما يقول أهلي في القرية عن هذه المدينة الساحرة: (يا زول أم درمان "لحم رأس" لامّة العقرب والدبيب), لكن السبب الحقيقي والأساسي في ذلك أن دم هذه المدينة يتجدد بإستمرار وبصورة متسارعة, لأن الذين يقصدونها بغرض الإقامة والسكن كثيرو العدد لا سيما وأن الغالبية العظمى منهم من الغلابى والتعابى والمنكوبين. لذلك دائماً لا تحتار فيها كثيراً ولا تتعب في الحصول على من يشبهك أو يوافقك سواء في سحنتك أو في مكانتك الإجتماعية, لأن الكل موجود هنا داخل هذا الحشو الكبير من البشر!. نزلت مسرعاً من البص قاصداً الجامع الكبير – وقد ذكّرني بمولانا فضل المولى الذي دائماً ما يذكره ويقول: (جامع الأنصار) ويزعم أنه التقى فيه بالكثير من قيادات الأنصار! ـ حيث أديت صلاة المغرب فيه, وبعد السلام خرجت على التو نحو موقف (أمبدات) الذي كان يجاور البوستة, وكنت مستعجلاً أسابق الظلام.. أريد أن لا يرخي بالمزيد من أستاره الكثيفة, حتى أصل إلى المكان المقصود قبل أن تكتسي هذه المدينة- لا سيما أطرافها- بتلك الظلمة البهيمية المخيفة, والتي تناسب أولئك الأشرار الذين خاف السر منهم على مكرفونات الجامع الجديدة. كانت هنالك حافلات صغيرة سعة ـ12 راكب ـ تصطف في الجهة الغربية للبوستة, فصعدت إلى أولها حيث تحركت بنا سريعاً. كان جو تلك المغربية كاتماً وخانقاً وتشعر فيه وكأنك تتنفس داخل الغرفة التي (تنشل) فيها آنية الخبز من داخل التنور, برغم أن جميع زجاج الحافلة الصغيرة كان(مفتح), ولولا تجدد الهواء – على سخونته – جراء سيرها السريع لابتلت ملابسي من التعرف!.. وكنت أتمنى أن تنتهي هذه الرحلة الأخيرة من مشاويري الطويلة والمرهقة – بأسرع ما يمكن!... وأخذ الملل والسأم يدب في مزاجي الذي كان قبل قليل نوعاً ما رائقاً!... إن الشخص الذي يجاورني في المقعد – الله يكرمك عزيزي القاري – ربما هو سبب تعكر مزاجي وشعوري بالضيق, ورغم أنه كان يبدو أنيقاً بملابسه الأفرنجية تلك والتي أضفى عليها (تشنطه بالقاش) مع جسمه الممتلئ إضافة الى النظارة السوداء مع قلم (البِقْ) وهو معلق بغطائه الأزرق المميز على جيب قميصه الأصفر (نُص الكُم) أضفي عليه أناقة من نوع آخر!.. حتى جعلت أحتار في أمر هذا المخلوق وهو جالس بجانب شباك الحافلة الصغيرة, وقد وضع كوعه وجزء من ساعده على الحافة السفلى للشباك المفتوح الذي يجاوره, ممسكاً بأطراف أصابعه على حافته العليا. باختصار كان (مكوّعاً), إذ كان المنفذ الرئيسي الذي كنت أعول عليه لتطليف الجو حول جسدي المبتل بالعرق الحارق الساخن هو ذلك الشباك الذي (يكوِّع) عليه جاري الأنيق!... فبرغم أن الهواء المنبعث منه قد منحني بعض الرطوبة التي قللت من إحساسي بالحر الشديد الذي كان يسود الجو, إلا أنني قد تأذيت كثيراً من الرائحة النفاذة والكريهة التي كانت تنبعث مع ذلك التيار الهوائي الذي لابد له أن يمر أولاً بجاري المهندم قبل أن يصلني نتنه – لا شك أنها رائحة آدمية طبيعية إلا أنها غير مقبولة على الإطلاق!!. وهي دائماً ًما تنبعث من شخص لا يهتم بنظافة ملابسه الداخلية وأنا أقصد تحديداً - ما يلبس تحت القميص – وكذلك تصدر من الذي يهمل الاستحمام يوميا,ً خصوصاً في مثل ذلك الفصل الحار من العام, ولفرط ما تأذيت من تلك الرائحة النتنة ولشدة ما تضايقت من عفنها: جعلت أكتم أنفاسي حتى إذا لم أعد أحتمل تنفست قليلاً, وأنا أمط عنقي وأتجه بأنفي نحو شباك آخر بعيد عله يصلني منه هواء نقي, ولكن دون ما جدوى طالما أنه لا يمكنني الإنتقال من مقعدي ذلك والحافلة الصغيرة مكتملة وجميع مقاعدها مشغولة بالركاب !... لأول مرة في حياتي أعرف أنه هناك في هذه الدنيا نوع من البشر له رائحة عرق كريهة نتنة,لا تطاق ولا تحتمل!. هل هناك من الآدميين من هو على مثل تلك الدرجة من القذارة والعفونة حتى تطفو علي جلده عبر مسامه مع العرق رائحة كريهة كتلك, فتنبعث وتفوح لتؤذي ما جاورها من تلك الأنوف المغلوبة على أمرها!.... بالفعل لقد تألمت أنفي وصارت تحرقني, كأن الدم بدأ يفور داخل شعيراتها الدموية الدقيقة, وأمست عيناي تدمعان بغزارة وحرقة, بالطبع ليس من حزن ولكن تبعاً لما جرى لجارتهما المسكينة (أنفي) من هول تلك الرائحة النفاذة القوية الحادة كحدة ذلك النوع من الأصوات الذي يؤذي الأذن و(يصنها) ويجعلها في حالة طنين دائم وتشويش في تمييز الأصوات، لم يقف الأمر عند ذلك: رأسي أيضاً شكا, وبدأت عروقه تضرب بعنف!وأصابني صداع من نوع غريب لم أضع له حساب,وبدأت أحس بالغثيان والرغبة في القيء, حتى أنني خشيت على (غَدْوة) حاج عبد الواحد الشهية والتي لم تنهضم بعد أن تلفظها معدتي, ولا يكون لي فيها نصيب ,ومن يدري (إمكن ما في النصيب)!. لم يكن ذلك تمثيلاً أو توهماً من نفسي بسبب حساسيتها المفرطة لمثل تلك الروائح العرقية, خصوصاً المرتبطة بمنطقة معينة من الجسد كالإبط مثلاً – عافاك الله عزيزي القاري أو المرتبطة بنوع معين من جنسيات البشر أما الروائح المنبعثة من الفم للذين لا يهتمون بالسواك ونظافة الفم, أو القدمين لمن ينتعلون الجزم فلي معها مواقف ولكن لن أحكيها هنا – لأنني بدأت اصدر جشاءًً متتابعاً (عااع عااع) ,وبين اللحظة والأخرى (أتَّرّع).. ومزيج الطعام والشاي والماء المستقر داخل المعدة, صرت أشعر به وهو يضرب على سقف حلقي عند كل دشوة و (تِرّيعة)... بل وكانت حموضة ذلك المزيج تؤلمني في صدري وحلقي!.. تأكدت أنني سأتقيأ لا محالة ... بدأت (أطقطق) بإصبعي الإبهام والوسطى, لأنني إذا صحت بالسائق أو الكمساري بالتوقف سيغلبني القيء وسأطرح – مضطراً – ما بداخل بطني داخل العربة, وسيتضايق من ذلك الركاب.. بل ربما سبوني وإتهموني بالتخلف, وإساءوا إليّ الأدب واحتقروني. - طق طق طق إلتفت الكمساري نحوي: - نازل... أشرت إليه بيدي أن توقف وأنا أكتم أنفاسي مقاوماً القيء – لحظات وتوقفت السيارة عند محطة يقال لها سوق الـ 12, وعند نزولي أخبرت الكمساري أن ينتظر قليلاً وأخبرته أنني أريد أن أتقيأ: - دقايق عاوز أطرش عندي طمام شديد!.... - سلامتك يا زول أُكُد راهتك يا زول..... إبتعدت قليلاً عن الحافلة, وفي ثواني معدودة إستفرغت كل ما في بطني من طعام وشراب, وعلمت بعدها أن طعام عبد الواحد لم يكن من رزقي مع أن المثل يقول (رزقك الدخل بطنك!), لكن ما حدث ربما يوافق المثل: (المافي رزقك يمرق من بطنك!), لست متيقناً من صحة هذا المثل الأخير: هل هو تماماً صحيح أم انني (نجرته) ليوافق ما حدث معي من أمر القيء ونبذي لطعام حسبت أنه إضافة لم يكتب لها أن تنضاف إلى لحمي الضعيف ودمي الفقير!. بعد القيء شعرت بإرتياح بالغ واستنشقت المزيد من الهواء النقي ثم اتجهت إلى الحافلة التي تقف قربي والسواق والكمساري يتجادلان: - ياكي الزول عيان بطنوا بوجو تقول تخليو كيف.. ياكِي كلام ده مابجي!. - ياكي أيان ما يركب مآانا... أنِهنا ما فادين لزول أيّان! ... ورانا شغل ياكي!. صعدت إلى الحافلة والركاب قد تأثروا لي ورثوا لحالي: - يازول سلامتك. - الله يسلمكن .... آسفين يا السواق ويا الكمساري....وآسفين جداً يا الناس الفي الحافلة كلكم....! أجاب جل الركاب بأن ما حدث لا يدعو للتأسف وصاح أحدهم: - يا زول تتأسف مالك انت عملت حاجة غلط؟! حرّم الحافلة تقيف لي بكرة... انت زول عيان والعيا ما فيهو كلام..... يا جماعة أملو وراكم خلو الراجل ده يقعد قدام إمكن يحتاج ينزل تاني!. تزحزح الركاب وجلست في مقعد قرب الباب بعيداً عن جاري ذلك, والذي هو سبب كل تلك المشاكل والمتاعب ، وجلس بدلاً عني شخص آخر بجانبه. وقد تحيرت في أنه كان مرتاحاً جداً لمجاورته له في المقعد, بل نشأ بينهما حديث ونكتة مازجهما تعليق وضحك, لكن لو افترضنا أنهما ربما كانا يتعارفان سلفاً, أليست تلك الرائحة الطاردة النفاذة غريبة ومنفرة, ومثيرة للإشمئزاز!. تحركت الحافلة من جديد وقد شكرت جداً لهؤلاء الركاب الذين أجلسوني على جانب شباك ,وعلى مقربة من الباب فوجدت حاجتي من الهواء والأكسجين الذي طالما إفتقدته وحُرِمْتَه, وابتعدت كثيراً عن ذلك العطر الآدمي المخدر والمثير للغثيان!. أما الشيء الذي أضحكني وجعلني أنسى تماماً ما حل بي من أمر القيء ذلك, هو الجدل الذي ظل مستمراً بين الركاب و السواق الذي وجد من هذا الحدث موضوعاً سائغاً ليضيف ويجعل إلى نفسه أهمية ومكانة, كأن ذلك الشيء الذي يقوده: طائرة رئاسية تقل الرئيس شخصياً, وليست تلك الحافلة (المكركعة)والمحملة بالتعابا من الطبقات شديدة الفقر والعوز! وكأن تلك الثلاث أو الأربع دقائق التي إضطرني إليها القيء الذي كنت أدافعه, قد حرمته من صفقة تجارية تقدر بآلاف الجنيهات -حسب المقاييس الخرافية في ذلك الزمان – وأنا فيما بيني وبين نفسي متيقن تماماً, أن هذا السواق الفارغ إنما يسابق الزمن ليرمي بنفسه في إحدى (الإندايات) المنتشرة هناك, ليسكر ويعربد ويفسد في الأرض, فذكرني بقول أحد الحكماء عندما سئل عن الدنيء من الرجال فقال: الذي إذا شبع زنا وإذا جاع سرق!. - ياكي أنا كان أيان بمرق من بيت هقي لييي؟ ... أنهنا فادين عشان نوقف شُكُلنا للأيانين!. صاح به أحد الركاب: - ياخي! إنت ما مؤمن يا زول!... هسع إنت ما بتعيا؟؟....ما حصل عييت ولا مرضت؟! - نام أييت..! وقاد نايا... لكن لامَن نايَا كات نرقُد في بيت... ولا نمش مُشْتَجْفَى أدِيل!.. لكن ما قاد نتئِّب ناس في مواسلات!. - والله كضاب..! حرّم كان عصرك بول ساي في المواصلات ما بتصبر لا من توقف العربية... عليك الله سيبنا أنا ناس المريسة والعرقي ديل خابِرم كويس من كلامن ومنطقن!!. - يا هاج إهترم نفسك...! المريسة ده والله هق الزيك... أنا الحمد لله ما قاعد نشرب مريسة ولا أرقي!. - ما قاعد تشرب مريسة؟!. قادر الله الخلق الناس!!.. حرم تلقاك فاتح لَكْ إنداية عديل كِدَه في بيتك!. قال تلك العبارة دون أن يُسْمِعَه جيّداً, فضحك الركاب من حوله وضحك أيضاً الكمساري الذي كان يخالفه الرأي, أما هو فقد كان (يطنطن) بكلام غير مفهوم, لكنه من الواضح أنه لم يسمع جيداً تلك العبارة الأخيرة, والتي لو وافق وأن سمعها ووعاها, ربما آل الأمر إلى مشكلة كبيرة, مع ذلك الإتهام الخطير الذي تقدم بنفيه عن نفسه مدعماً ذلك بالقسم والأيمان المغلظة!. نعم هنالك أناس يجعلون من (الحبة قبة) ويهولون الأمور ويجعلون من الأمور التافهة الصغيرة, ومن اللاشيء أشياء وأشياء!.. وإذا سألت أحدهم لماذا كل هذا التهويل والمبالغة فيما لا يستحق ؟,سوف لن تجد إجابة مقنعة, لكنك في النهاية ستفهم أنّه يريد بذلك فقط أن يجعل لنفسه أهمية, وأنه شخص (عينو حمرة) ويجب أن يحسب له ألف حساب!.. إنها أفكار تافهة وأوهام حقيرة...! ومع ذلك قد تكون صفة مميزة لفئة غير قليلة من (أهَلْنَا) السودانيين... إذا ساء حظك وجعلتك الظروف في موضع حاجة لأحدهم – ولو كانت حاجة بسيطة لا تكلف كثير عناء ليقضيها لك, فإنه لا يتردد في أن يُذِلَّك ويُصَغِّر بك و (يفرِّج فيك اليِسْوِي والمايِسْوِي) و يتعامل معك وكأنك عدو يريد أن يثأر لنفسه منه وينتقم!, حتى إذا أروى غليله ونهمه وتعطشه في إذلالك والتصغير من قدرك- وأمام ربما من تحب أومن تكره من الناس, فيُشمِت بك العدو ويُحزِن لك الصديق – أعطاك وعداً بقضاء حاجتك ليزيدك هما وغماً, أو أبى لك تماماً لا في الحين ولا آجلاً.. حتى يزرع بداخلك اليأس والإحباط, ولا يهمه كل ما ينعكس من جراء ذلك التصرف الغبي والمعاملة الكلبية التي تصدر من أفكاره الخسيسة الشريرة، من مآسي وآلام لا تقتصر فقط على الضحية, بل ربما إنّ قد الأمر يمتد ليطال الّذين ضحّي لأجلهم!... وللأسف هذا هو نمط المعاملة الذي شهدته وقاسيت من تبعاته, عندما إضطررت في مواقف كثيرة وبدافع الحاجة للتعامل مع من هم بتلك الصفات... فلم أدري وقتها هل كنت أتعامل مع إنسان حاقد ... حاسد أم مع حيوان مفترس لا يفهم إلا لغة العراك والهجوم على الفريسة التي تقترب من عرينه!. نعم لقد فهمت أنني أعيش في شعبٍ برغم ما يظهره من طيبة ووداعة: إلا أنه يخفي مع تلك الطيبة وقاحة ولؤم... ووراء تلك الوادعة ذئاب ووحوش, تترقب السانحة والفرصة المناسبة لتُنشِب أظفارها على الضحية البريئة.. منتظرة الأخرى لتفترسها!. قد تستغرب كثيراً وتستتنكر أيها القارئ النجيب وأنا لا أشك في أنك من أنصار الشاعر: اسماعيل حسن عندما قال:- تصوّر كيف يَكون الحال...؟ لو ما كنتَ سوداني...! وأهَل الحارَّة ما أهلي...؟! سوف لن أزيدك في القول بأكثر من كلمة: "إنتظر"...!. حينما تدور بك الأيام وتحاصرك الظروف – لا سمح الله- ربما دفعك ذل الحاجة لأن تطرق أبواب أرباب الجاه والمناصب, وهذا أهون لأن الكل عندما يحتاج ويضيق به الحال سيلجأ إلى مثل هؤلاء, فإذا قضوا حاجتك فالحمد لله والأمر مقبول, وإذا طردوك وردوك خائباً.. فالطرد والإبعاد هنا أيضاً مقبول! (فاليد العليا خير من اليد السفلى) – لأنني أراها ليست خير في العطاء فقط بل حتى في المنع – هل أنت توافقني في ذلك أيها القارئ؟! إنّ المصيبة الكبرى أيها الصديق أن تضطرك الأيام, لأن تقف أمام حقير لئيم موقف المحتاج, وما أكثر ما يوقع ذل الحاجة أحدنا في مصيدة اللئام.. وما أكثرهم!. لذلك إذا أبدت لك الأيام أجنحة الهوان, وضربتك الدنيا بسياط الحاجة وإضطررت عندها إلى اللجوء للغير, قد لا تجد سبيلاً إلى أصحاب اليد العليا... لأنهم دائماً محجوبون, فتجد نفسك مجبرة لسلوك السبيل المؤدية إلى هؤلاء الكلاب لتقف أمامهم محتاجاً ذليلاً!.. عندها لن يرحموك ولن يدعوك لشأنك, لأنك أتيت بنفسك إلى الوحوش في وكرها وعرينها... والبادي أظلم!. لكل هذا عزيزي القارئي عليك أن تطلب دائماً من الله أن يقيك ذُلَّ الحاجة إلى الغير, لأنك إذا حدث أن احتجت إلى أحدهم, فقلما تفلت من أمثال أولئك الذين فهمت وصفهم!.وما يغيظ أكثر أنهم دائماً ما يظهرون الطيبة ولين الجانب, فإذا أحس أحد تلك الكلاب المسعورة, أنك في مأزق حقيقي ولا محالة سلتجأ إليه في تلك الحاجة العارضة, يا للمأساة!... وقع الصيد المسكين في الفخ المكين... وهنا صاحبنا (يِتْحَنْفَشْ ويعمل فيها "ولاضُبَّان ضَكَر" و يا دنيا ما فيك إلا أنا) كفانا الله يا صديقي شر الجهلة وشرار المتعلمين, فهم الوحيدون الأجدر بأن يوصفوا بالرجعية والتخلف والأحرى أن يتخذ منهم الحيطة والحذر, والتحضر والرقي وصف يستحقه ذوي الأخلاق العالية والمعاملة الراقية!. لعلك عزيزي القارئ قد مللت كثيراً لهذا التوقف الطويل والرتيب, عليك أن تعذرني فما يجيش بخاطري يسيطر حتى على ما أسطره من كلمات...! فبتتابع الكلمات التي لا أكاد أتحكم حتى في صياغتها وترتيبها – تنسجم الأفكار ويتضح القصد والتصور – فإذا لم أبح بكل ما يجول بخيالي فسوف لن يتيسر لي سرد ومتابعة كل ما تصوغه وتنسجه أفكاري من أحلام وتصورات!. | |
|
dorzy admin
الجنس : الاسم كامل : معتز عبد الماحد محمد العوض
الاوسمة :
| موضوع: رد: قصه السر والعوض 5 الإثنين 13 أغسطس 2012, 5:41 am | |
| تحياتي واشواقي ياجاري العزيز | |
|